إن مدلول الديمقراطية آخذ بالتبدل والانحراف وهذا مما يزيد بحثها أبهاماً وتعقيداً وخصوصاً أنها تعني في الأصل أشياء كثيرة متنوعة. فالمبادئ العامة التي أقرتها والنظام الذي وضع خصيصاً لإبرازها لحيز العمل والتطبيق هي موضع بحث ونقد شديد. وقد اتخذت النتائج التي حدثت بعد تطبيقها خلال قرن ونصف معياراً للتمييز بين الجيد والخبيث فيها. ولم يقف بحث الديمقراطية وقد وضعت على مائدة التشريح عند هذا الحد بل تناول الأسس والنظريات الفلسفية التي قامت عليها حتى الآن. وقد ظهرت هذه الأسس بعد البحث بالية وهي التي لم يخامر الشك بها صدور الباحثين حتى عهد قريب وإنها غير قادرة على حمل البناء القائم عليها.
الديمقراطية في الواقع نسيج حاكه التطور الاقتصادي والتوازن الجديد الناتج عنه بين مختلف القوى الاجتماعية خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. فهي من وجهتها الفعلية تحقق شيئين الرأسمالية الطليقة والحكم الشعبي. ولتحقيقهما أقرت الديمقراطية المبادئ العامة المعروفة: الحرية والمساواة وصيانة الحياة والملكية وحرية المقاولات. وجعلتها دليلاً ينقاد إليه المشرعون ومن ينتهي إليهم الأمر. وأحدث النظام التمثيلي ليتسنى للشعب ممارسة السلطة التي وضعت فيه.
الحملات القائمة اليوم على الديمقراطية شديدة سواء في أوروبا أو في أمريكا ولكنها في الأولى أكثر شدة وعنفاً. ولكن هذه الحملات غير موحدة القيادة مختلفة في الغاية. فهي في الواقع هجمات على مواطن معينة في الديمقراطية يستهدف بها المهاجمون ما يحسبونه موطن ضعف فيها. ويقوم بهذه الحملات من لا يدينون بالديمقراطية بمعناها العام وهو أن الشعب مقر السلطات. أو الذين لا يقبلون بعض مبادئها العامة كصيانة الملكية وحرية المقاولات. ويطعن هؤلاء بالناحية الاقتصادية من الديمقراطية والنظام الرأسمالي الذي تحميه. فهم يرون أن الرأسمالية الطليقة سخرت المبادئ والأنظمة الديمقراطية لتحقيق أغراضها ومآربها وإنها تعمل عملها التخريبي في المجتمع تحت ظل القانون وحماية الدولة. والقائمون بهذه الحملة هم ما يطلق عليهم أجمالاً اسم الاشتراكيين في أوروبا على