انظروا إلى نبع الجبل، العذب الرقراق، كيف يولد من بين الصخور، كشعاع من النجم يسري في غيوم متكاثفات، تسهر عليه ملائك مكرمون،.
وكيف يقفز من الفضاء، في خفة ورشاقة، إلى كتل المرمر، ثم يثب جذلان نحو السماء.
وكيف يتغلغل في الطرائق الوعرة، فيطرد منها آلاف الحصى ويجر وراءه أخواناً من الينابيع!
هناك في الوادي، تتفتح الأزهار تحت قدميه، ويعيش المرج من أنفاسه، ولكن لا الوادي الظليل، ولا الأزاهير تلتف حول ساقيه وتداعبه بنظراتها اللطاف، تستطيع أن تستوقفه. . . فهو ماضٍ، ماضٍ في رحلته العجلى نحو السهل.
تتراكض الأنهار نحوه، ويدخل السهل متلألئاً فضياً. . . فيزدهي السهل به، وتقول له غدران السهل وأنهار الجبل، وهي ترقص من فرح:
يا أخانا، خذ أشقاءك معك، خذهم إلى أبيك، المحيط الخالد، الذي ينتظرنا، مفتوح الذراعين!
ولكن، واأسفا، إن ذراعيه تتفتحان عبثاً، لتلفا إلى صدره أولاده الذين يتألمون، ففي هذه الصحراء المحرقة، يتلفنا الرمل اللاذع، وتروي الشمس ظمأها من دمنا، ثم توقف مجرانا رابية ما، وتحيلنا مستنقعنا راكداً
يا أخانا،
خذ غدران السهل،
خذ أنهار الجبل،
خذهم إلى أبيك!
- تعالوا جميعاً!
هو ذا النبع يتسع ويكبر، في عظمة وجلال، ويحمل إلى العروش أمة بأسرها!
يعطي البلاد، في رحلته الظافرة، أسماء، وتولد المدائن تحت قدميه، ولكنه، مع هذا، لا يتوانى في سيره ولا يقف قط،