يقول المؤرخ الألماني الشهيرأوسوالد شبنكلرفي كتابهتدهور الغربالذي أحدث ضجة عظيمة في العالم حين صدورهإن الفضل في توحيد حضارة الشرق يرجع إلى انتصار الإسلام الذي خضع له المسيحيون واليهود والعجم دون اختيارهم فتطوعوا في خدمتهوبتأثير الإسلام تطورت الحضارة العربية التي عندما كانت في أوج كمالها الفكري كان برابرة الغرب مدة فترة قصيرة يشنون الغارات وينهالون في قطعان لا تحصى على القدس فكيف كان العرب ينظرون إلى هذه الغارات الهمجية؟ لا شك في أن رجال السياسة العربية لم يكونوا يبحثون في أحوال بلاد الفرنج إلا بكل ازدراء واحتقار.
وظل الأمر كذلك في القرن السابع عشر. فإنه في أيام حرب الثلاثين سنة التي كانت من وجهة نظر الشرق محتدمة في مجاهلالغرب البعيدعندما حاول السفير الإنكليزي في استانبول تحريض المسلمين العثمانيين على آل هابسبورغ لاشك في أن جميع العالم الإسلامي كان يعتقد أن الخلافات بين هذه الدول الهمجية الصغيرة التي يغزو بعضها بعضاً دون انقطاع في أقاصي حدود المملكة الإسلامية لا تستحق شيئاً من الاهتمام في سياسة الإسلام من مراكش إلى الهند. بل من المحقق أن الكثيرين كانوا لا يزالون بعيدين عن التنبؤ بالمستقبل القريب حتى بعد قدوم نابليون إلى مصر. . .
حقاً لم يكن من السهل قبل عصر واحد فقط معرفة مدى التطور الصناعي الذي ساعد الأوروبيين في القرن التاسع عشر على اجتياح كل العالم والاستيلاء على معظم البلاد الإفريقية والآسيوية. ولايمكن المؤرخ المدقق أن يشبه هذه الغارة السريعة الواسعة إلا بفتوحات المغول والتتر في القرنين الثالث عشر والرابع عشر إنما تتضارب الآراء في تقدير نتائج هاتين الغارتين هل تكون الثانية كالأولى أي مقتصرة على زمن محدود يتغير بعده مجرى التطور التاريخي أم أن هناك فروقاً في تأثير كل واحدة منهما في حضارة البشر المستقبلة. فإن الأوروبيون ما برحوا يحاولون تصوير الوضع التاريخي الحاضر كأنه النظام الأبدي للكرة الأرضية ويكاد جميع الناس يعتقدون بأن الغربيين هم الذين وقع عليهم الاصطفاء ليسودوا العالم إلى الأبد دون منازع وهذا ما دفع إليه البشرية وإنه لا حياة لهم إلا بالاندماج في هذه الحضارة والخضوع لنواميسها.
ولكن في الشرق اليوم حركة جديدة أخذت تشعر بما يهدد كيان الحضارات الشرقية من