هاهو ذا الفجر ينشر على الكون الهادي غلائله الفضية ويبعث بنسماته العطرة تهز أوراق الحور.
وها هو خيالك القديم الشاحب، ينتصب بجانبي في هذه الشرفة القائمة على سفح قاسيون، فننظر معاً إلى مدينة دمشق التي نشأنا وترعرعنا فيها، فنراها وقد انبسطت أمامنا يحيط بها البحر الأخضر، فينسينا منظرها الفخم البهيج ما كاد يستولي على نفوسنا من يأس قاتل.
أيتها الضعيفة تشجعي فالصبح لا يلبث أن ينبلج. ألا ترين وخيالك معي، هذه المآذن الذاهبة في أجواز الفضاء كيف تلمع تحت أضواء الفجر وتنفض عن أردانها غبار الليل لتستقبل أشعة الشمس؟ إن نور النهار سينحدر عما قليل رويداً رويداً من أعاليها، فيتغلغل في كل ناحية من نواحي هذه المدينة الجبارة التي قيدتك بسلاسل العرف وأغلال العادة ورمت بك في زاوية من زوايا الغابر المظلم فأصبحت وأنت كما أراك إلى جانبي منهوكة القوى، يحول الضعف بينك وبين نصرائك فتكادين لا تصغين لندائهم، ويكادون لا يسمعون أنينك. . .
تشجعي أيتها الضعيفة فقد آن لهذا الليل
هؤلاء الأقوياء الغاشمين الذين ما أحبوا فيك إلا نفوسهم. إن قواهم أوهى من أن تحجب النور، وأن ظلمهم أضعف من أن يقف في وجه الحق طويلاً.
أيتها الضعيفة تشجعي فقوة الإيمان أعظم القوى ويكفيك أن تؤمني أنك مهضومة الحق وإن القوم من ذويك ظالمون.
أيتها الضعيفة استأسدي فذئاب الحي جياع.
أيتها الضعيفة استبسلي ولا يغرنك ما ينفثونه في روعك مما لم يمله عليهم إلا الأنانية ولم يدفعهم إليه إلا حب الذات.
لقد أنزلوك منزلة السلع ووقفوا منك موقف القوي الظالم من الضعيف المخلص فلم يرعوا لك ذمة ولم يحفظوا لك عهداً. لقد كذبوا على الله فتناسوا لباب الدين واتخذوا من قشوره حبالاً يخنقونك بها. وسخروا التقاليد والخرافات لإرادتهم لا يحتفظون منها إلا بما يؤيد قوتهم ويسد ثغره نهمهم ويدعو لضعفك وتذليلك. لقد فهموا الشرف كما أرادوا لا كما يفهمه الحق أو العدل وأنهم ما برحوا يغضبون الله ويعصونه فينسبون ذلك إليك، ويرتكبون