كل حركة عبارة عن دائرة تتمركز في شخص كمحور لها، في قائدها.
مبادئها مبادئه، صفاته صفاتها، سيرتها تندمج في سيرته، تنبعث منه وينخرط هو في صفوفها. أما الحركة والقائد، وهو نقطة المركز فيها، فتتجلى عنهما اتجاهات المجتمع وتصادم هذه الاتجاهات، كما تخرج الدائرة ونقطتها من الماء، وتتماوجان فيه بشكل يتقرر عند وقوع الحجر في الماء وتصادمه مع اتجاهه ومبلغه من العمق وأسلوب مجراه وسوى ذلك.
يتمخض المجتمع فيلد الفكرة والفكرة تتجسم في توأميها: القائد والاتباع وهما اللذان يكونان الحركة هما قطبا الحركة، كلا الطرفين يمثلان الفكرة التي تسير بها، كلاهما نتاج الموجات المستديرة التي اندفعت من الماء على أثر وقوع الحجر في بحيرة المجتمع.
القائد لا يختاره ابتاعه. بل تختاره مجموعة أوضاع نفسية واجتماعية وسياسية تتألف من شخصيته ومن الظروف، أو ما اسميه بشخصية الظروف المجتمعة، وأخيراً من الحد الذي تتوافق عنده الشخصيتان، ويختلف ما لهذين العاملين، أي الشخصيتين، من تأثير في خلق القائد. فتارة نجد لشخصية القائد المكان الأول وتارة تجد هذا المكان للظروف، وهو الغالب.
لينين، مثلاً، جعلته شخصيته الخاصة (والشخصية مغناطيسية تخرج من تجسم الفكرة بمعناها الواسع - أو تجسم الخلق أو الراغبات - وتمركزها وظهورها في الفرد بقوة وتصلب) قائداً أكثر مما جعلته الظروف كذلك. لقد كان ليني قائداً قبل أن يحكم، كان القائد وهو بين مجموعة من أقطاب القيادة، ولد وهو قائد، أما الظروف الطارئة فقد ساعدت على تربية هذه الفطرة فيه، ومن جهة أخرى وضعته على رأس حركة معينة. لو ظهر لينين محاطاً بأية ظروف أخرى، وفي أي زمان آخر، لكان قائداً أيضاً ذلك لأن عقله - وفي العقل تتمركز فكرة هذا الرجل وشخصيته - لو جاء في أي مكان أو في أي وقت، وتحت أي اسم، لكان عقلاً يجمع بين الميل الشديد لهدم القديم والظالم وبين الحماس القوي لتشييد الجديد والعادل، عقلاً يطلع من الماضي لينفذ في المستقبل، عقلاً متطرفاً وكذلك قائداً سواء جعلت الظروف من لينين فناناً، أو عسكرياً، أو راهباً، أو طاهياً. ذلك لأن القابلية على الانطباع بأية فكرة تجمع بين الثورة والعدل هي الطبيعة في ها العقل. لهذا نجد أن أحد