ذات المنظر الموحش والغلال التافهة الفقيرة بسنابلها الضعيفة ولقد قضينا الوقت منذ الطهر حتى الساعة الثالثة في محطة صغيرة من محطات القطار على حدود داوداليا ثم تابع القطار مسيره مجتازاً سهلاً قاحلاً تحيط به جبال قد أخضرت منها السفوح فقط. ولقد كان منظر الفقر والشقاء بادياً على أزياء وملامح الفلاحين الذين يشتغلون في الأرض، أما رجال الجيش فهم على الطراز الألماني غاية في حسن الهندام والانتظام. وبدأت المناظر تتنوع تدريجاً وأوشك الوادي الذي نعبره أن يكون ضيقاً بالقرب من دمير قابية فيصبح كممر أخضر تجري على جنباته سواقي غزيرة. وفي الفردار نواعير صغيرة تدور لم أكد أراها حتى هبت في نفسي ذكرى مدينة حماه وذكرى أصدقاء أحباء تركتهم فيها. لحماه منظر بهج يؤلف الآن قسماً من ذاتي فلن أنساه أبداً. ولرب صور بسيطة تعترضني في الآتي كهذه النواعير الصغيرة التي أراها فتحيي في أعماق قلبي عهداً غابراً محاطاً بالكآبة ومفعماً بالود والإخلاص.