الطفل صفحة بيضاء تسطر عليها يد المربي خيراً أو شراً، صدقاً أو كذباً، إباءً أو خسة، استقلالاً أو استعباداً. هو معدن لين تنقش فيه يد النقاش ما تشاء من السجايا والأخلاق فتصوره وديعاً محباً مخلصاً أو شريراً مبغضاً عقوقاً ولا أصدق من المثل العربي القائل العلم في الصغر كالنقش على الحجر وليس العلم في الطفولة الأولى سوى التربية التي تغرس في قلب الطفل وعقله بذور السجايا الحميدة قبل أن تنبت فيها بذور الأشواك الفاسدة.
غير أن تلك الصفحة البيضاء والمعدن اللين يختلفان عما هما عليه في عالم الجماد اختلافاً بيناً لأن نفس الطفل وعقله يتصفان بصفة الحياة لا الجمود فإذا كان القرطاس يحفظ على وجهه الناصع البياض ما تخطه يد الكاتب عليه بدون أن يكون له تأثير في اليد الكاتبة أو كان لذلك المعدن أن يبقي ما نقشته يد النقاش بدون أن يكون له أن يتكيف تكيفاً مخالفاً لحركة تلك اليد وعملها فليس الأمر كذلك في نفس الطفل وعقله لأن حيٌّ وليس الحي كالجماد فإن الجماد منفعل فقط يتأثر من العوامل الخارجية التي تحيط به ومن البيئة التي يكون فيها والحيُّ فاعل ومنفعل يتأثر بما يحيط به كما أنه يؤثر في ذلك المحيط أيضاً. ولهذا كان في الطفل نزعات واستعدادات وغرائز لا بد من المحافظة عليها حفاظاً يكاد يكون مقدساً لا يجوز ليد المربي أن تمسها بل يجوز لها أن تنميها موفرة لها ما تحتاج إليه في نموها. وكان فيه أميال أخرى تهيب به إلى الجنوح عن السداد، عن ذلك النموذج الاسمي الذي يطمح إليه المربي في تربيته، ويترتب على الوالدين والمربي أن يقوموا أودها في الطفل تقويماً لطيفاً بالغاً منتهى الحكمة لأنهم إذا عمدوا إلى العنف أنقلب الأمر إلى ضده وليس أفصح وأجلى من ذلك التحديد الذي يحدد به (روجه كوزينيه) التربية إذ يقول: التريبة علم غايته الفضلى التي تمكن الطفل من إظهار طبيعته إظهاراً جلياً لأن الطفل لا طاقة له أن يكون كهلاً قبل أن يبدي غرائزه الخاصة.
إن هذه الكلمة القليلة تمثل لنا التربية كما يمثلها اليوم علماء النفس الذين هم المربون