كل ما نتطلبه منهم. فالذي دانى بشعره المتنبي وأبا تمام والبحتري وابن الرومي من هم دنوهم بلغ سدرة المنتهي في عالم القريض. والذي قرب بترسله من الجاحظ وابن المقفع وسهل ابن هرون وعمرو بن مسعدة عد من أئمة الأدب وبلغاء الكتاب الذين لا يشق لهم غبار. ولكن الأمر على ما أرى هو اليوم أصعب مما يذهبون إليه. ذلك إن أدب اليوم عند الغربيين خاصة له صور متعددة الأشكال والألوان وله أبواب ما طرقها أجدادنا أو هم قصروا فيها كما قصر فيها أدباؤنا في أيامنا هذه منها الروايات الشعرية والأقاصيص النثرية وصور البيئات الاجتماعية وصور العواطف والمشاعر والنزعات النفسية المختلفة فكل هذا يتطلب معرفة علم النفس والاجتماع والأخلاق ويستلزم ألماماً بكثير من العلوم المادية ومفرداتها العربية حتى تجئ اللوحة الأدبية كاملة غير مشوهة.
ويستنتج من ذلك أن زاد الأديب اليوم غير زاده في الأمس فإذا تمكن أدباؤنا الحاضرون الذين هبتهم الطبيعة بروح أدبية عالية من تغذية نفوس قارئيهم بهذا الزاد في نسج كنسج من ذكرت من أدبائنا الغابرين، عددناهم من المبرزين في صناعتهم وعقنا لهم لواء السبق واعترفنا لهم بهذا الفضل. فأما وهم لم يبلغوا بعد هذه المنزلة وأما والطريق الممتدة أمامهم لا تزال طويلة المدى فهم والعلماء سواسية في التقصير وليس لفريق منهما فضل على الثاني.