للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[شعر ابن زيدون]

لخليل مردم بك

ابن زيدون احد أدباء الأندلس الذي جمعوا بين الشعر والنثر وجودوا فيهما كابن عبد ربه صاحب العقد الفريد ولسان الدين الخطيب. وتلك مزية كاد الأندلسيون ينفردون بها لأنك قل أن تجد بين أدباء المشرق من نبغ في الصناعتين معا وان كان شعراء المشرق على انفراد اكبر من شعراء المغرب وكذلك قل في الكتاب. على إن الكلام في هذا الفصل سيكون مقصورا على شعر ابن زيدون دون نثره.

كان الأديب الأندلسي يأتم بأدباء المشارقة ويقلدهم ويطبع على غرارهم في أساليب الشعر والنثر ولا يرى الأدب الحق إلا ما روي عنهم فهذا كتاب العقد الفريد وصاحبه من أئمة الأدب في الأندلس مروي من أوله إلى آخره عن أهل الشرق ليس فيه من الأدب الأندلسي غير أرجوزة واحدة في خلفاء بني أمية بالأندلس لصاحب الكتاب مع قليل من شعره. قيل إن الصاحب ابن عباد حرص على إن يطلع على ذلك الكتاب فلما حصل عليه وتأمله قال: بضاعتنا ردت إلينا، ظننت إن هذا الكتاب يشتمل على شيء من أخبار بلادهم فإذا هو يشتمل على أخبار بلادنا لا حاجة لنا فيه ثم رده. وإذا نبغ بينهم شاعر أطلقوا عليه اسم شاعر من شعراء المشرق أو لقبه كابن هاني الأندلسي الملقب بمتنبي الغرب وابن زيدون المعروف ببحتري المغرب.

على انه مهما بالغ الأندلسيون في اقتفاء اثر المشارقة فان لطبيعة الأندلس أثرا لم يخف في شعرهم، فاعتدال الجو وحسن المناظر في الأرض والسماء وكثرة الافياء والأنداد وامتداد الظلال والأنهار، رقق من طباعهم وهيأ نفوسهم لتقدير محاسن الطبيعة في تلك البقعة المباركة، فمالوا إلى الترقيق ووصف الطبيعة، كابن خفاجة الأندلسي الذي يحق له أن يسمى شاعر الطبيعة.

فهم من هذه الجهة يشبهون شعراء الشام لتشابه طبيعة القطرين.

ولعل ابن زيدون من طليعة أولئك الشعراء الذي تتبين في شعرهم طابع الأندلس السحري. لان ابن هانئ الذي كان قبله لا يتميز شعره بتلك السمة الخاصة. وهو بلا شك أوفرهم حظا من الشهرة حتى كأن اسم الأندلس مقرون بابن زيدون وكأن شهره ذكرى عذبة لذلك

<<  <  ج: ص:  >  >>