كان كاتب اسمه أو لقبه (السيد) قد نشر شيئاً في جريدة مشهورة نسب فيه هذه العبارة (القتل أنفى للقتل) إلى العرب، وقال - كبرت كلمة تخرج من أفواههم -: إن بلاغتها نفوت بلاغة القول المعجز ولكم في القصاص حيوة يا أولي الألباب.
وإن مجسر هذا المقتحم، باعثة مجهول - وستمسي الخافية علانية - وقد رد عليه بهذه المقالة القاصدة اليوم مغلغلة إلى دمشق الشام، لتظهر في مجلتها (النقامة).
أجلّ العربية الرصينة المبينة أن تقول هذا القول:
(القتل أنفى للقتل)
وأنعى على (السيد) هفوة نسبته إياه إليها، أنها لا تعرفه، أنها تنكره.
ولو قالته - وهو يبدو حكمة ومثلاً - لروته رواتها: فلا (الميداني) صاحب (مجمع الأمثال) عرفه - وقد جمع في كتابه أكثر من ستة آلاف مثل، ولا (ابن عبد ربه) سمع به، ولو نما هذا القول في (الجزيرة) لانتظمته (جوهرة أمثاله) ولا (أبو بكر الباقلاني) اشتمل عليه كتابه في (إعجاز القرآن) وجدناه فيه، وما قرأناه في (عيون الأخبار) ل (ابن قتيبة) أو (كامل أبي العباس) وما اجتليناه في تصنيف من تصانيف المائة الثانية أو المائة الثالثة. واترك كلام الذائدين عن (الكتاب) في إيراده معزواً إلى العرب وما سطروا.
إنه لقول ما قالته العربية ولا مولدوها، وإنما هو كلام فارسي نقله الناقل - وربما أخطأ في الترجمة - ورائحتها فيه تكاد تفوح.
ولو قالته العربية ما قالت (القتل أنفى القتل) وهي تعني أن القتل يزيل القتل أو يستأصله، أو يفنيه، ونفى القتل (أي أبعاده) لا يبيده. ونفي (المجرم القاتل) لا يربح الناس منه. ومادة (ن ف ي) كاشفة ما يلتبس. ولم تستعمل العرب هذه المادة - واللغة لغة والعرب عرب - في مثل هذا المقصد، وألفاظ القول لا تستقل بمعناه عند الباحث المحقق.
ولو قالته العربية لجاز - أن جاز - أن نقول:(القتل أفنى للقتل) ومن بنى من مثل: (اختصر، وأعطى، وأولى الخ) اسماً للتفضيل بناه من أفنى. وهي العربية ولسانها تصرفه،