سمعت أحمد الطيب يقول: إن صديقاً لابن الكاتب أبي العباس يكنى أبا عبيدة قال له ذات يوم:
إنك بحمد الله وأدبه ذو أدب وفصاحة وبراعة فلو أطلت فضائلك بأن تضيف إليها معرفة البرهان القياسي، وعلم الأشكال الهندسية الدالة على حقائق الأشياء، وقرأت إقليدس وتدبره؟
فقال له ابن ثوابة: وماكان إقليدس ومن هو؟ قال: رجل من علماء الروم يسمى بهذا الاسم، وضع كتاباًَ فيه أشكال كثيرة مختلفة تدل على حقائق الأشياء المعلومة والمغيبة، ويشحذ الذهن، ويدقق الفهم، ويلطف المعرفة، ويصفي الحاسة ويثبت الروية، ومنه ومنه افتتح الخط وعرفت مقادير حروف المعجم.
قال له أبو العباس بن ثوابة: كيف ذلك؟
قال: لا تعلم كيف هو حتى تشاهد الأشكال وتعاين البرهان
فقال: فافعل ما بدا لك.
فأتاه برجل يقال له قويري مشهور، ولم يعد إليه بعد ذلك.
قال أحمد بن الطيب: فاستظرفت ذلك وعجبت منه فكتبت إلى ابن ثوابة رقعة نسختها:
بسم الله الرحمن الرحيم. اتصل بي - جعلت فداك - أن رجلاً من إخوانك أشار عليك بتكميل فضائلك وتقويتها بشيء من معرفة القياس البر هاني وطمأنينتك إله، إنك أصغيت إلى قوله وأذنت له فأحضرك رجلاً كان غاية في سوء الأدب معدناً من معادن الفكر، وإماماً من أئمة الشرك، لاستغرارك واستغوائك، يخادعك عن عقلك الرصين، وينازعك في ثقافة فهمك المبين، فأبى الله العزيز إلا جميل عوائده الحسنة قبلك، ومننه السوابق لديك، وفضله الدائم عندك، بأن تأتي على قواعد برهانه من ذروته، وتحط عوالي أركانه من أقصى معاقد أسه، فأحببت استعلامي ذلك على كنهه من جهتك ليكون شكري لك على ما كان منك، حسب لومي لصاحبك على ما كان منه، ولأتلافى الفارط في ذلك بتدبير المشيئة إن شاء الله