الفردوس المفقود، ولا تكاد تجد شاعرا يجعلك تتصوره بلاده مثله حتى إن القصائد التي عارض بها الشعراء قصيدته التي مطلعها:
أضحى التنائي بديلا من تدانينا ... وناب عن طيب لقيانا تجافينا
سميت بالأندلسيات.
نشأ ابن زيدون في بيت معروف بالوجاهة والعلم بقرطبة عاصمة الدولة الأموية في الأندلس ولم يكد يبلغ الحادية عشرة من سنة حتى فقد أباه ويدلنا شعره ورسائله على ثقافة عالية ورواية للأدب واسعة. وكانت قرطبة إذ ذاك على اضطراب أمر الدولة فيها تضاهي بغداد في الحضارة ونعيم العيش وتوفر أسباب الترف واللهو. ومن أجدر من ابن زيدون الفتى النبيه بالأخذ بأوفر نصيب من حياة قرطبة في شتى مناحيها، فطلب العلم والأدب واختلف إلى مجالس الحسان ومقاصيرهن واشتغل بالحوادث السياسية التي انتهت بانقراض دولة بني أمية. ولكل ذلك اثر واضح في شعره.
وقدر له وهو في عنفوان شبابه أن يقع في شرك ولادة بنت المستكفي الخليفة الأموي، وولادة أميرة برعت في الأدب والجمال كان مجلسها ناديا لأعيان قرطبة وذلك لفرط أدبها وجمالها وحسن محاضرتها وحلو عشرتها ولين حجابها وخفة روحها، كانت تجالس زوارها وعليها ثوب كتب بالذهب على طرفه الأيمن:
إنا والله أصلح للمعالي ... وامشي مشيتي واتيه تيها
وعلى طرفه الأيسر:
أمكن عاشقي من لثم خدي ... وأعطي قبلتي من يشتهيها
فكان الأعيان والأدباء يتبارون في ذلك الميدان ويتنافسون في محبتها. ولكن ابن زيدون الشاب الشاعر الجميل أحبها حبا شديدا وأحبته هي أيضا ففاز منها بما لم يفز به غيره. واسمه يحدثك عن علاقة ذلك الحب بينهما ويصف لك ليلة لقائهما قال: كنت في أيام الشباب وغمرة التصابي هائما بولادة فلما قدم اللقاء وساعد القضاء كتبت إلي:
ترقب إذا جن الظلام زيارتي ... فاني رأيت الليل اكتم للسر
وبي منك ما لو كان بالبدر ما بدا ... وبالشمس لم تطلع وبالنجم لم يسر
فلما طوى النهار نوره، ونشر دنانيره، أقبلت بقد كالقضيب، وردف كالكثيب، وقد أطبقت