نرجس المقل، على ورد الخجل، فملنا إلى روض مدبج، وظل سجسج، قد قامت رايات أشجاره، وفاضت سلاسل أنهاره، ودر الطل منثور، وجيب الراح مزرور، فلما شببنا نارها، وأدركت منا ثأرها، صرح كل منا بحبه، وشكا ما بقلبه، وبتنا بليلة نجني أقحوان الثغور، ونقطف رمان الصدر، وكانت عتبة قد غنتنا:
أحبتنا إني بلغت مؤملي ... وساعدني دهري وواصلني حبي
وجاء يهنيني البشير بقربه ... فأعطيته نفسي وزدت له قلبي
فلما انفصلنا عنها صباحنا أنشدتها ارتياحا:
ودع الصبر محب ودعك ... ذائع من سره ما استودعك
يقرع السن على أن لم يكن ... زاد في تلك الخطا إذ شيعك
يا أخا البدر سناء وسنا ... حفظ الله زمانا أطلعك
إن يطل بعدك ليلي فلكم ... بت أشكو قصر الليل معك
وكتب إليه ولادة مرة:
ألا هل لنا من بعد هذا التفرق ... سبيل فيشكو كل صب بما لقي
وقد كنت أوقات التزاور في الشتا ... أبيت على جمر من الشوق محرق
فكيف وقد أمسيت في حال قطعه ... لقد جعل عجل المقدور ما كنت اتقي
تمر الليالي لا أرى البين ينقضي ... ولا الصبر من رق التشوق معتقي
سقى الله أرضا قد غدت لك منزلا ... بكل سكوب هاطل الوبل مغدق
فأجابها:
لحى الله يوما لست فيه بملتقي ... محياك من اجل النوى والتفرق
وكيف يطيب العيش دون مسرة ... وأي سرور للكئيب المؤرق
ونافسه في حب ولادة الوزير ابن عبدوس وكاد له من اجله عند أميره ابن جهور فكان
من اكبر أسباب محنته وحبسه وكان اشق شيء عليه في السجن بعده عن ولادة فلما فر من السجن ورحل عن قرطبة كانت ذكرى ولادة شغله الشاغل فولادة هي التي اوحت إليه تلك الأغاني الشجية الساحرة وحبها كان اشد العوامل أثرا في حياته وشعره. فلا تحفل بعد ذلك من شعر ابن زيدون إلا بما كان في ولادة وذكراها. هذه قصيدته التي كتب بها من سجنه