إلى ابن جهور يستعطفه بها يقول في أولها متشوقا إلى ولادة:
ما جال بعدك لظي في سنا القمر ... إلا ذكرتك ذكر العين بالأثر
ولا استطعت ذماء الليل من أسف ... إلا على ليلة سرت مع القصر
فليت ذاك السواد الجون متصل ... لو استعار سواد القلب والبصر
فهمت معنى الهوى من وحي طرفك لي ... إن الحوار لمفهوم من الحور
حسن أفانين أعيننا ... غاياته بأفانين من النظر
فإذا انتهى من هذه الأنغام العلوية وبلغ ابن جهور يستعطغه انحط عن تلك المرتبة مع إن القصيدة نظمت برسم ابن جهور.
يروقك من شعر ابن زيدون اثر الترف الماثل فيه وحب اللهو وتلك اللوعة الوثابة والشوق المبرح والحنين الشديد وكل ما يمت إلى الغرام وأهواء النفس بسبب ووصف مغاني الإنس ومعاهد الذكر فهو كشاعر غزلي
اكبر منه في كل فن من فنون الشعر وما قاله في ولادة شعر حي يتغنى به منذ عهدهما إلى الآن.
ابن زيدون وان أحب الصنعة واقبل عليها في شعره فهو مطبوع يتدفق ماء الطبع من أكثر شعره ولا شك في أن غرامه رقق ذلك الطبع وشحذه فظل باب الغزل في شعره أحسن من جميع الأبواب التي عالجها.
صنعة ابن زيدون أشبه بصنعة البحتري لا تعارض الطبع بل تجاريه وتعتمد عليه فهناك حسن انتقاء للألفاظ العذبة في الذوق والسمع وبعد نظر في استعمالها وإنزالها منازلها مع تتبع برفق وبراعة لأنواع البيان والمحسنات بنوعيها معنوية ولفظية. قالوا أن ابن زيدون بحتري المغرب والحقيقة إن بين الشاعرين تشابها من حيث السلاسة والعذوبة والاهتمام بموسيقى اللفظ وحسن الرصف بما لا يعارض الطبع والتسلسل والتساوق ومخاطبة النفس والدقة في وصف المرئيات والهواجس وان كان البحتري أكثر فنونا وأوسع مضطربا في أغراض الشعر. ومهما يكن فقد كان ابن زيدون معجبا بالبحتري يجاريه فلا يقصر عنه في الغزل والحنين قال الصفدي إن قصيدة ابن زيدون: