الكتاب الأذكياء لم يخطئ كثيراً لما شبه لينين بسان جوست وبالراهب يواكم الفلوري لما غلب على هذين من فكرتي العدل والتطلع إلى المستقبل. (أما ما ذهب إليه رينه قيلوب ميللر النمسوي، في كتابه عن اليسوعيين، من تشبيه لينين بإيجنانيوس دي لوايولا فليس صحيحاً، لأن لوايولا كان ذا عقل ارتجاعي وديني. وهذان المظهران لا وجود فيهما لروح الثورة وطلب العدل، بل هما يختصان بالعقل الشرقي المشبع بفكرة الحاكم المطلق، المهمل للجماهير التي يختص بها العدل، وللمستقبل الذي ترمي الثورة إليه، فهو لا يطمح إلا بخلاص روحه الأنانية وحدها) إن شخصية لينين: أو بتعبير أفصح، أجمع لما شرحنا: إن عقله المنغمسة فيه الفكرة المازجة بين العدل والتجدد جعل منه في المكان الأول قائداً. أما الظروف فجعلته قائداً بلشفياً بدل أن يكون مثلاً نورياً أفرنسياً أو زعيم حركة كحركة الشعلة البافارية.
إن نابليون خلقته الظروف لا شيء سواها، كما إن انعدام الشخصية فيه كفكرة ساعدت تلك الظروف بل كانت من جملتها. كذلك موسوليني أيضاً. فقد ترأس هذا الرجل الحركة الفاشستية بعامل الظروف أكثر مما ترأسها لشخصيته، فكان لها المكان الأول في تكوينه كقائد، إن شخصية موسوليني، مثل حال نابليون، ليست مظهراً لقوة الفكرة بقدر ما هي صفات خاصة أكثر اتفاقاً مع الفكرة العامة، الفكرة الفاشستية، من صفات غيره، وأبرع في التمشي مع أهواء أصحاب الفكر الحقيقيين والقيام بقيادتها الظاهرة، لذلك لو جاء موسوليني في وقت وظروف غير التي أظهرته لكان بقي في الزاوية، لكان قضى عمره وهون ذلك الأناني الصغير الذي ليس له أقل أثر في التاريخ فلم يكن قائداً، بل فرداً من أفراد الجماهير التي تحمل التاريخ على ظهرها ولكان مندمجاً، من عظمة الأنانية فيه، في ذلك القسم الصغير من الجماهير، ذلك القسم الذي لا يشعر بفداحة ووطأة ما يحمل والذي لا شعور له بالرابطة الكبرى في الآلام.
قلنا أن القائد والحركة وشيء واحد. وكذلك موسوليني والفاشستية. وكون موسوليني ابن الظروف أكثر مما هو ابن الشخصية، وكونه ابن شخصية الطباع والرغبات الملائمة، لا شخصية الفكرة الفولاذية، كون موسوليني كذلك لا يعني أنه ليس شيئاًَ واحداً هو والفاشستية. لو لم يكونا كذلك لما التقيا ولما سارا جنباً إلى جنب. إن كل قائد مهما تكن