الذي يغني فيه (رونالد هايز) وعندما بدأت الكتابة، وكان ذلك منذ عدة سنوات، رأيت أن أميركا كانت تظهر لي وجهاً أقل تهجماً وكما كتبت مؤخراً في إحدى قصصي: لقد تركت أنا الزنجي أمريكا فراراً من شيء هو أعظم مني لم استطع احتماله تاركاً أخواني هنالك هدفاً للألم والعذاب ولعل قولي هذا هو عاطفة قومية أكثر منه حقيقة واقعية لأني كالكثيرين من الزنوج رأيت الغاية في أن أقول أنا كما أنا وأني أؤمل أن لا يحمل كلامي هذا على محمل الشكوى لأن الزنوج لا يشكون ولا يتذمرون بل يضحكون ويرقصون ويغنون حتى في أعظم ساعات المصاب وفي أوقات الشقاء والألم. أنهم يخلقون لهم عالماً خاصاً بهم ويتمتعون بكل ما فيه من نشاط وقوة. فهارلم هو حي من أحياء نيويورك كثير النشاط عظيم الضجيج تعصف في أجوائه دائماً أنغام الموسيقى والأناشيد والقهقهة تلك القهقهة القاتمة العميقة، تلك القهقهة الخاصة بالشعب الأسود القاتم.
إن قضاء بعد ظهر يوم من أيام الصيف في هارلم، ذلك الحي المزدحمة شوارعه بالوجوه المستبشرة الضاحكة، ذلك الحي الذي تشع في طرقاته وممراته الألوان السوداء اللامعة هو مما ينطبع في النفس ويترك فيها ذكرى خالدة.
أن الكثيرين من سكان نيويورك البيض يأتون إلى هارلم، يأتون هذا الحي لاكتساب شيء من قوة الحياة المرحة الضاحكة ويتركون لأنفسهم حرية الاستسلام إلى هذه الموسيقى المتأججة القوية التي تكتسح كل شيء.
نعم نحن من عنصر غير عنصركم ولا أظن أنه في وسع أحد من البيض أدراك أي إكسير حار مضطرم يغلي في عروقنا ولا أي استعداد للشعور والحياة قد منحتنا الطبيعة.
أننا نستطيع أن نتمثل حضارة العنصر الأبيض ونندمج فيها وأن نحتفظ في الوقت ذاته بتلك الثورة النفسية المتأججة التي ورثناها. ومن هذا تنشأ الصفة التي نمتاز بها. وأننا مابرحنا نردد في أنفسنا خلال كل ما أصابنا من الشدائد والمحن معاني الأبيات التي أوردتها في أول هذا المقال فنعرف أن أداء ما وجب علينا من العمل في هذه الحياة يحتاج حقيقة لنفوس فاضلة كبيرة.