لم تكن الكونتس دي نوايل مقيدة بدين من الأديان المنزلة فهي وثنية المذهب وقد قالت أن قلبي يشبه غابة تزورها الآلهة، وكنت تعتقد أن كل شيء على الأرض من نبات وجماد وحيوان هو اله فالله وهو الكل والكل واحد، وهو الله. أما هي فليست الاجزء صغيرا من ذلك الهيكل العظيم ستفنى فيه كقطرة ماء في ثبج البحر. وليست صاحبة كتاب ظل الأيام أول من دان بهذه العقيدة التي هي من أقدم المذاهب الفلسفية ولكنها جددتها واستخرجت من تلك الأوتار المشوشة ألحانا علوية فيها شيء من تلك الحسرة السائدة على قلوب شباب العصر.
ورثت عن أمها حب اليونان، كعبة الفن والاعتدال والجمال وكثيرا ما حاولت عبثا زيارة تلك البلاد ونظمت فيها قصائد تفيض حنانا تناجي الآلهة وتوسلت إلى تلك الروح التي نفختها الآلهة اليونانية أن تهب إليها سلوى لم تجدها في بقية الأديان. وكانت تقضي أيامها كئيبة لا تعرف سببا لبؤسها فقضت شبابها متلهفة خائفة من
اليوم الذي يذهب فيه الشباب وقضت كهولتها باكية على شبابها وماتت قبل أن تدرك الشيخوخة.
كان اثر (الكونتس دي نوايل) في الأدب الافرنسي عظيما فهي آخر شاعرة من شعراء الرومانتيك (الإبداعيين) الذين بدأت نهضتهم في فرانسا عام ١٨٢٠ والذين اشتهر منهم هوغو ولا مرتين وموسه ودوفيني وجورج ساند واسكندردوماس وميشلة. وكما يمثل بول فاليري الشعر المحض كذلك تمثل الكونتس دي نوايل الإلهام المجرد فقد جعلت أبياتها آلة تعبر عما في قلبها من آلام وأحلام فهي بعيدة عن كل تطرف وتحفظ في عواطفها، صريحة في فنها كما هي صريحة في حياتها. فكانت تنتمي إلى أحزاب الشمال معجبة بسياسة اريستيد بريان وقد قاومت مرارا تعصب أولئك الذين جعلوا العقيدة الوطنية الضيقة حائلا دون الرحمة والشفقة والحنان على الإنسانية المتألمة. بيد أن هذا لم يمنعها من أن تكون أشهر من نظم بفرنسا في رثاء أبطال الحرب الذين ذهبوا ضحية الواجب. وكانت لها صلات ود مع اكبر رجال السياسة في فرنسا حتى مع الملكيين وبينهم ليون دوده وشال موراس وقد مدحتهما مرارا وصرحت بإعجابها بهما وقد استقبلت في دارها بشارع (شيفر) عظماء الرجال في أوروبا وباتت شاعرة الجمهورية الرسمية في فرنسا.