قبعة خضراء انتصبت عليها ريشة طائر، ورداء من المخمل. ولقد كانت تتمثل فيهم روح البافاري القديم المشبعة بالعاطفة والإحساس، وهم كأنهم غرباء عن الضجيج الهتلري لا تفقه القرى التي نشئوا فيها معنى الحركة العقيمة.
ذهبت بعد ظهر هذا اليوم إلى السينما، ومما يدعو للاستغراب أن في مونيخ ما يقرب من الثلاثين داراً للسينما، تسعة منها يعرض فيها شرائط سينمائية ناطقة باللغة الفرنسية، وهي على الغالب من النوع الجيد، وأن في هذا الأمر ما يسترعي الانتباه ويؤيد أن الفكر البافاري في ألمانيا، رغم هتلر، مابرح على ما كان عليه من التساهل والتسامح. ثم ألم ألحظ كثيراً من الابتسامات ذات المغزى تبدو على شفاه بعض الوجهاء في مدينة مونيخ عندما تمر زمر الشبان المتحمسين التابعة لفرقة الهجوم.
٣٠ تموز - مونيخ
رأيت قبل أن أغادر مونيخ أن أذهب لوداع المستشرق بير غيستروسر. وقد بادرني وفي لهجته شيء من القلق سائلاً: والآن كيف وجدت مونيخ؟ فأجملت له ما تركته زيارة المدينة في نفسي من الأثر، مشيراً بصورة خاصة إلى الضيق الاقتصادي وبالأحرى إلى الشقاء الذي استرعى اهتمامي ممثلاً بأشياء كثيرة كعدد الدرجات العظيم في المدينة وقلة عدد السيارات وابتسامات الاستخفاف التي رأيتها تبدو على وجوه السكان.
نعم. نعم أجاب مفكراً بير غستراسر وهو يهز رأسه، ولقد عدت للحديث فختمته بقولي يجب أن نأمل انحلال هذه الأزمة أجاب نعم لا بد من الأمل ثم أضاف على ذلك بصوت منخفض وهو يرفع كتفيه قائلاً: ليس في هذه الحال التي نحن فيها ما يسر.
آب - فرانكفور
يجتاز المسافر من مونيخ إلى فرانكفور طريقاً نظيفة متقنة التعبيد وقليلة الحركة. وكنت وحيداً في غرفة القطار وهي من الدرجة الثانية. مع أن الازدحام كان شديداً في عربات الدرجة الثالثة. وفي كل المظاهر ما يدل على أن الشعب الألماني يتخبط في ضيق اقتصادي عظيم، وأن الإحصاءات المؤيدة للظفر التي تنشرها الصحافة الهتلرية زاعمة تناقص عدد البطالين، كاذبة. وإن الكارثة النازلة بالعمال شديدة الوطأة، فبدلاً من أن يعطي هتلر لكل واحد من العمال البطالين ماركين اثنين كإعانة فهو يدخله في عداد الجيش ويدفع