له المبلغ نفسه، وعلى هذه الصورة فإن عدد العمال المقيدين في سجلات البطالين قد قلّ عن ذي قبل، ولكن أليس في ذلك أصول مصطنعة لا تخفف من شقاء البلاد الحقيقي شيئاً؟ لقد كنت شديد الحرص على البقاء قليلاً في فرانكفور لأحج إل قبر الشاعر غوثه. أو ليس من الإنصاف في وسط هذه العاصفة التي يثيرها هتلر فيثير معها غرائز الشعب الهوجاء أن أتقدم فأردد ذكرى أعظم رجل في ألمانيا، ذكرى رجل عظيم لا نستطيع إلا أن نسامح في كل شيء البلاد التي أتاح لها الحظ أن تعده من أبنائها، وأما ذلك البيت البسيط الصغير الذي احتفظوا به كأثمن ذخر وتعهدوه باحترام بقرب من العبادة، وقفت أذكر عبقرية غوثه وسمو خياله. ولقد سألت نفسي: كيف يكون رأيهم لو بعث حياً اليوم في ألمانيا وهو الذي تجرأ فقال: أني أفضل الظلم على الفوضى ثم أي شقاء يستولي على نفس الناظر إلى هذه البلاد الألمانية البديعة حينما يراها غارقة من كل الوجوه في دياجير الشدة الهمجية. هنا كما في بلغراد وكما في تريسته لم أستطع إلا أن أفكر أيضاً في المعاهدات التي عقدت سنة ١٩١٩ وهي عهود لم تلجئ الأحوال للدفاع عنها والسعي في تأييدها إلا لأنها أخر معقد يمكن التوسل به للسلام في أوربا.
وفي محطة فرانكفور لم لأتمالك من الضحك وأنا أنظر إلى أحد الإعلانات لنوع من الكاكاو سموه كاكاو قانت (الفيلسوف الألماني) ولإعلان أخر لنوع من الشوكالاته سموه شوكولاته فوهر، فهل يخطر ببال تجار الإعلانات في فرنسة أن يسموا نوعاً من الكاكاو، كاكاو ديكارت (الفيلسوف الفرنسي) وأن يسموا نوعاً من الشوكالاته، شوكالاته دلاديه السياسي الفرنسي؟ على أن هذه الدعاية التجارية الساذجة المستترة بستار الوطنية هي أيضاً مما يدل على نوع خاص من العقلية.
٤ آب - كولونيا:
وبعد مقام قصير حميد في مايانس حيث عدت أنظر إلى نهر الرين كمن ينظر صديقاً مواطناً بعد غياب طويل في بلاد بعيدة، وصلت مدينة كولونيا التي سكنتها سنة ١٩٢٥، وما أسعدني أن أعود فأرى هذه المدينة التي لم يتغير فيها شيء يذكر، ولقد دخلتها والغيث يهطل كما في صيف سنة ١٩٢٥ فرأيت ألبسة النساء ومظاهر زينتهن فيها على غاية من الجمال، كما كنت أراها من قبل، ولقد زاد جمال منظرهن في عيني إني قريب عهد