بمغادرة بافاريا حيث النساء ضخمات الأجسام غليظات القامات لا يعرفن انتقاء ألبستهن وأزيائهن يضاف إلى ذلك أن لا شيء من الذوق في زينتهن وتبرجهن. لحظت أن الحركة في الشوارع أخف من ذي قبل. أن ما أصاب بروسيا الواقعة على ضفاف نهر الرين من وطأة الأزمة الألمانية هو أقل مما أصاب البلاد الألمانية الأخرى وبالرغم من ذلك فإن هنالك أيضاً ما يدل على الضيق والشقاء الاقتصادي والأخلاقي، ولعل السبب في ذلك مبعثه الديكتاتورية والحكم المطلق لا غير.
يكفي الإنسان أن يشعر في بلد من البلاد أنه يسير مقيداً غير طليق ترقبه الأعين وتتبع خطواته الأنظار، وأنه من الملحوظ في كل حين أن يقاد إلى أحد مراكز التحقيق، حتى تذهب من نفسه لذة العيش وتتبعها نشوة الفرح بالحياة التي يحيياها. وإن سكان كولونيا يعرفون من ذلك الشيء الكثير بعد أن رأوا سنة ٩٢٥ رئيسهم النشيط المخلص آدينوير يعزل من منصبه ظلماً وعدواناً ويلقى في غياهب السجن رغم الخدمات العظمى التي أداها لمدينتهم.
لقد بت لا أعلم هل هي الهتلرية، أم هي الأمطار المستمرة في تهطالها، لقد جعلت أفق المدينة مكفهراً في نظري، وجوها مفعماً بالكآبة. ولقد قام في نفسي فجأة أن أهرب منها رغم ذكرى أيام سعيدة غابرة عشتها فيها هانئاً مغتطباً، وأعود إلى أهلي ووطني حيث الديمقراطية والحرية.