للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

زعيمهم (نوفاليس) كان يدعو سبينوزا (ثملاً بالله). وقد رأت تلك النفوس (الفاوستية) الظامئة في العلم بالمفهوم النسبي لفكرتي الخير والشر خلاصاً من وساس الشك. فطفل الحضارة الذي يحبو يمكنه أن يتخلص من ولادته الحيوانية ليعيش كما تلهمه الطبيعة فيكتسب سعة في التأمل تجعله حراً في تفكيره مستقيماً في نظرته.

ولقد يظن البعض أن التحرر من قيود التقاليد هي النعمة الوحيدة التي حبتنا إياها نظرية سبينوزا، وهذا خطأ إذ أن (البانته ثيزم) أو وحدة الوجود ولدت في أرباب الفكر روحاً جديداً وأظهرت لنا أن الإنسان البعيد النظر المتجرد عن الأنانية الضيقة يجتاز نطاق الخير والشر الإنسانيين إلى الضرورة السامية التي يرى فيها مقياساً رفيعاً يتفوق على ذينك الاعتبارين المحدودين. ومن الواجب الاعتراف بأن الكون ليس إنسانياً، وأن كينونة الإنسان هي كينونة نسبية. دع الإنسان يعمل للتغلب على الفزع الذي يعتريه حين يفكر في (تناهيه) فتصبح فكرة التناهي مقهورة، سلسة القياد. وثمة جزء من نفسه يتصل باللانهاية فيكتسب منها دستوره الذي يتحكم في كيانه. إن الميزة الرفيعة التي يتجلى بها الإنسان هي مقدرته على احتقار نفسه فإذا أدرك هذه الدرجة السامية فقدت الأشياء التي يراها لونها الحالك المشؤوم بالرغم من احتفاظها بشكلها وتأثيرها الماديين. وفي هذه الحال يرتبط الجزء العقلي والجزء الديني في الإنسان بروابط السلامة ووشائح القربى مع الكون.

لا ترتكز هذه الأحكام الذي قد تبدو متناقضة على شيء من سوء الفهم لأن فلسفة سبينوزا، بالرغم من طابعها العقلي الخاص الذي تتسم به تبدور دائماً في مظهرين مختلفين لصنفين من الناس، ولكي نلمس سر هذا المظهر الثنائي وجب علينا أن ندرس الآثار العنصرية والعقلية التي تسلسلت إليه بالوراثة وأن نستعمق في تفهم مزاجه واتجاهه الذهني في ميدان التأمل.

كانت حياته بسيطة قصيرة تتفق مع مذهبه الذ يرى في الأشياء المتفرقة مظاهر ضئيلة إذ تقارن بالكون الشامل. ولد في أمستردام سنة ١٣٦٢ من أبوين يهوديين من أفراد الجالية البرتغالية المنفية، وعندما بلغ العشرين من عمره، أصدرت الهيئة الدينية اليهودية أمراً بحرمانه من إجراء الطقوس المعتادة ودخلوا المعابد واختلاطه بأبناء دينه، بسبب الأفكار (الضالة) التي بثها وخلاصتها: أن الله هو الكون الشامل، وأن الملائكة هي أشباح وهمية

<<  <  ج: ص:  >  >>