للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنهم حديثو عهد بالأدب وأن للأدب العربي آفاقا لم يتح لهم الجولان في عامتها أو الانتهاء إلى غايتها والإشراف عليها جملة، وليس من شك بأن النقد في أي فن أو علم إنما هو نتيجة الثقافة فيه وإن من ينصب نفسه لانتقاد شيء تحتم عليه أن يكون ملماً به إلمام الإحاطة بكل منحى من مناحيه متغلغلاً كل التغلغل في مدابه وخوافيه فلا ينتقد في اللغة مثلاً إلا من قتلها خبرة وعلماً وقتلته ممارسة وعمراً ولا يأخذ على الشعراء شيئاً في شعرهم إلا من جرى الشعر في نفوسهم مجرى الدم في سمام أعراقهم فحذقوا من خفاياه ومداق شؤونه ما يحول بينهم وبين العسف فيه والجور والسفه على ذويه لما توفر عنده من عزة العلم وشمم المعرفة فيترفعون عن منح الألقاب هبات والنعوت فارغة أو ملأى على من لا يستحق إلا أن يسل لسان شيطانه من قفاه كيلا يجود عليه بما يبدو قرحة في وجه الشعر وخراجة في جسم الأدب.

قال ابن سلام الجمحي في مقدمة كتابهطبقات الشعراء:

وللشعر صناعة وثقافة يعرفها أهله كسائر أصناف العلم والصناعات منها ما تثقفه العين ومنها ما تثقفه الأذن ومنها ما تثقفه اليد ومن ما يثقفه اللسان، من ذلك اللؤلؤ والياقوت لا يعرف بصفة ولا وزن دون المعاينة ممن يبصره ومن ذلك الجهبذة بالدينار والدرهم لا تعرف جودتهما بلون ولا مس ولا طراز ولا حس ولا صفة ويعرفه الناقد عند المعاينة فيعرف بهرجها (١) وزائفها (٢) وستوقها (٣) ومفرغها (٤) ومنه البصر بغريب النخل والبصر بأنواع المتاع وضروبه واختلاف بلاده وتشابه لونه ومسه وذرعه حتى يضاف كل صنف منها إلى بلده الذي خرج منه وكذلك البصر بالرقيق فتوصف الجارية فيقال، ناصعة اللون، جيدة الشطب، نقية الثغر، حسنة العين والأنف، جيدة النهود، ظريفة اللسان، واردة الشعر، فتكون بهذه الصفة بمائة دينار وبمئتي دينار وتكون بأخرى بألف دينار وأكثر لا يجد واصفها مزيداً على هذه الصفة

وقد أبى الله لهذه العامة إلا أن يكون لها سبق إلى كثير من استعمال ألفاظ لا تتعدى فيها ما أرادته العرب من معان كثيراً ما تنحرف عنها الخاصة جهلاً أو ذهولاً فلا تأبه - أي الخاصة - ولا تفطن لجهلها أو ذهولها حتى يصدع بخطاها صادع أو بشهر أمرها مشهر وذلك كثير بحيث يتعذر علينا الإتيان عليه إلا في كلمة ضخمة عسانا نرسلها متسلسلة في

<<  <  ج: ص:  >  >>