شيء من البرودة ثم لا يتركون لهم مجالا لتنفيذ أفكارهم ف الإصلاح.
ولا غرابة في ذلك. فإن نصف القلوب البشرية على الأقل لا تربطها أي صلة بهذا العالم بل تعيش في العالم الآخر الذي يتهافت الشعراء للتغني به: عالم الليل وآلهة القمر التي تنعم علينا بثمرة التي العذبة، عالم تلك الليالي الساحرة الغارقة في أنوار القمر التي يشعر جميع الخياليين بانجذاب باطني نحوها.
إن هذا ليس عالم الفكر بل عالم الروح. ليس عالم الرجولة المولدة والمبدعة بل عالم الأمومة الحاملة، الحنونة، العميقة الإحساس. ليس عالم الوجود واليقظة والانتباه بل عالم النمو في حضن اللاشعور وحرارته الغريزية. وليس السيطرة هنا للحرية بل للتقيد، ليس للفكر بل للعاطفة، ليس للعظمة والجبروت بل للخضوع والتسليم، ليس للإرادة بل للانقياد والتضحية، تلك التضحية التي لا انفصام لها عن فكرة الماضي ومحبته فإن الماضي مقدس في نظر كل من يحب التقيد بينما رجال العلم لا يعبئون إلا بالمستقبل ولهذا فإن المهم في عالم الليل ليس هو إصدار الأحكام والتصميم الأخلاقي بل المشاهدة العميقة والشعور المتأثر المتألم والتسليم الديني لقوى الطبيعة البعيدة عن كل فكر وعن كل حكم أخلاقي.
ومنذ القدم انصرفت الأمم في عقائدها الدينية إل البحث في تفضيل أحد هذين العالمين وتقرير أيهما أكثر قدسية وأعلى رتبة هل مملكة الشمس أم مملكة القمر وحسب الجواب على هذا السؤال كانت الأمم تسير في نظرتها إلى العالم وتقرير طراز حياتها وطرق تفكيرها وقد علقوا على ذل تفسير فكرة الحياة نفسها ونسبوا إلى أحد العالمين، عالم الفكر أو عالم الروح، كل قدسية، وكل قيمة للحياة.
ولا شك في أن الغرب كان منذ أيام اليونانيين، عبداً للآله (زبوس) متعلقاً بمبدأ الشمس وعالم النور والإرادة والحرية والعمل بينما الشرق الآسيوي يتصف بتقديس مبدأ القمر وعالم الأمومة والروحية السلبية. .