النشء لم يتعودوا المطالعة منذ حداثتهم بإقبال ورغبة. وينشأ عن ذلك بالطبع فتور هوة الأدباء، فلا ينقطعون للأدب انقطاعا يشحذ قرائحهم ويبرز مكنونات نفوسهم وعقولهم فيضطرون لاتخاذه أداة للتسلية والترويح لا غاية للحياة. فلا غرابة بعد ذلك إذا ندرت المؤلفات الأدبية التي تحبب المطالعة للناس وتغريهم بها وتجعل القراءة حاجة من حاجات الحياة التي لا يصبر عنها الإنسان.
على إن في أدبنا نقصا لم يمكن تلافيه إلى الآن ولعله من أعظم ما جعل الناس يزوون وجوههم عن تقدير الأدب والارتياح له وهو أن أدبنا مرآة غير صادقة لا تنعكس فيها حياتنا الحاضرة أو قل انه صورة لا تمثل الواقع كما هو. ولئن كان في الأدب القديم ما يمثل حياة أهله فانه لطبقة خاصة من المتأدبين لا لبقية الناس الذين يشق عليهم استحضاره صورة القديم في أذهانهم بل هم بحاجة لما يمثل شؤونهم الحاضرة ويحدثهم عنها.
والقصص والروايات خير وسيلة لهذه الغاية وما عندنا منها أكثره مترجم لا صلة له بحياتنا، والموضوع قليل جدا لا يستدعي بعض الحاجة دع عنك الخلل والتقصير الماثلين فيه من حيث ضيق التصور والتواء الأسلوب وقلق اللباقة في التأدية والغفلة عما يحيط بنا ويحدث لنا.
وهناك عقبة نرجو أن يذللها الزمان بازدياد سواد المتعلمين وهي بعد الشقة ما بين لغة الأدب واللغة المحكية، ومعالجة هذه المعضلة تستلزم فضل تدبر ورفق فشدة الكلف بالصنعة اللفظية تجعل الأدب كالمقامات تكلف مطالعها من العناء أضعاف ما تجلب له من اللذة، كما إن الدعوة إلى استعمال العامية عقوق للغة والأدب والقومية وتفريط في ميراث أدبي عظيم لا يقل عن اجل ما خلفته الأمم في الماضي. على أن الأديب اللبق قادر على أن يكون سهلا مفهوما من غير أن يخرج على قواعد اللغة وحدود البلاغة لاسيما فيما يكتبه للناس عامة.
وتقاطع الأقطار العربية أو تقطعها جعل جمهور القراء ضئيلا مشتتا في العالم العربي لان الحجازي مثلا لا يعتبر دمشق أو القاهرة أو بغداد عاصمة له يشارك أهلها في مصالحهم وشعورهم ويهمه الاطلاع على ما يحدث فيها ويصدر من كتب وآثار أدبية، وهكذا السوري بالنسبة للأقطار الأخرى.