من يمكنه أن يعتقد اليوم تجرد أوربا عن غاية النفع وليس من شرقي يستطيع متى ضمه مجلس مع غربي أن يحسبه بريئاً من الاشتراك في جشع السيطرة المادية التي تحدو الأمم صاحية القوى الصناعية إلى العمل. وهكذا فإن هذا العهد التعس الذي ظهرت فيه أعراض الحمى أفسد حتى الصلات الشخصية وسرى فساده فلم تسلم منه حتى أواصر الود بين الرفاق.
لقد شعر (ويليفريد سكافن بلونت) بما أوحاه إليه إبداعه الفني حينما كان يجوب منذ خمسين عاماً انقضت أنحاء جزيرة العرب ومصر، أن هذا الخلاف قد استمد أصوله من الأمم الحديثة ومن فوضاها التعسة. وهكذا فقد مشى الفساد إلى كل منحى وأصبح حزننا الذي يجدده كل شيء لا سبب له إلا أننا نعيش في عصر ضربت فيه الفوضى أطنابها وأحاط به القبح حتى ليخيل بأنه قضي الأمر فأصبح من المستحيل العمل بقلب سليم.
لا أذكر أي أخلاقي من الانكليز قال مؤخراً أنه لن يكون السبب في نشوب حرب طروادة جمال هيلانة بل إيجاد الأسواق اللازمة لتصدير منتجات الصناعة ومنسوجات القطن، ولقد وقعت في هذه الأيام وأنا أطالع، على فكرة ل (سانت بوف) تستهوي النفس ولها صلة شديدة بما أبحث فيه: لقد ذكر مؤلف حديث الاثنين بأنه من الممكن أن يظهر في زماننا أعمال عظيمة كاكتشافات غريبة ومشاريع هائلة ولكن ليس في هذا ما يدعو لمجد العصر الذي نعيش فيه. أن المجد هو في نقطة الابتداء وفي الداعي الأول للعمل أي في الفكر. كان الناس في عام ٨٩ لا يحجمون عن أي عمل في سبيل الوطن والبشرية وكانوا في عهد الايمبراطورية يقدمون على كل شيء حباً بالمجد، وعلى هذا الأساس قامت العظمة إذ ذاك أما اليوم فإن النتائج مهما ظهرت ذات شأن قلا تتكون إلا والنفع الاقتصادي محركها والمضاربة المالية ركن من أركانها. هذا هو الطبع الخاص الذي طبع به زماننا، وهو طابع يمثل الحطة التي لا يسلم من وصمتها إلا القليل من أعمال هذا العصر لولا بعض الرجال مثل (مالا رميه) الذي أوحت إليه هذه المظاهر الوضيعة وهذا الجشع المؤسف أن يرسم بعض الخطط التي لم يكن رائده فيها الأطهارة القلب والتجرد عن الغايات. ولا شك أن في ازدياد الفوضى والتحكم بالناس في زماننا جعل الفكر مخدراً بما بقي من حثالة المادة وأن دخان المصانع والمعامل الأسود المتلبد فوق ما هبتنا إياه الطبيعة من جميل مناظرها