أما هذه الأسماء الثلاثة تعني شجراً واحداً فمما لا شك فيه ولا ظل شك. ونحن نثبت ذلك بالأدلة اللغوية، فضلاً عن المنقول في كتب الفن.
الدردار كلمة فارسية منحوتة من (در) أي بق بمعنى بعوض و (دار) بمعنى شجرة. والمعنى واضح لا غبار عليه. ومن الغريب أن أصحاب المعاجم الفارسية والدواوين العربية لم تشر إلى هذا الأصل، بل ظن الجميع أن اللفظة عدنانية صرفة وهذا ليس رأينا كما رأيت. فيكون معنى هذا الحرف ما يقابله عند الفرنسيين وبالانكليزية وبلسان العلم
جئنا إلى شجرة البق والاسم واضح المعنى. والمراد بالبق هنا ما يريده العراقيون وعلماء اللغة الأقدمون جميعاً، أي البعوض، لا الفسافس، أو الكتان والضمج على ما هو شائع في مصر واليمن. فإن هذا المعنى لم يكن معروفاً عند الأقدمين من الناطقين بالضاد، إنما هو مولود ومأخوذ عن أبناء اليمن. وكن قد كتبنا مقالاً طويلاً في مجلة المباحث الطرابلسية لصاحبها المحقق الكبير جرجي يني وأشرنا أيضاً إلى تحقيق هذا الاسم في المجلة الطبية المصرية (٤٦٥: ١٢) بحيث لا يمكن لأحد أن ينكر الأدلة التي أوردناها. على أننا نقر بأن البق ورد بمعنى الفسافس في مصر، وفلسطين، وسورية، واليمن. والأندلس في عهد العرب وأما عند العرب الفصحاء في العهد القديم فإنه لم يرد عندهم البق إلا بمعنى البعوض أو البعوض الضخم. وكلمة شجرة البق تشهد على أن الشاميين في سابق العهد ما كانوا يعرفون لها معنى آخر سوى الذي نشير إليه، أي البعوض. وكل من عرف الدردار، أو البوقيصا، أو شجرة البق، لم يفكر أبداً في أن البق هنا الحشرة المنتنة، بل الحشرة العضوض. والبق في اللغة الآرامية لا يعني إلا معنى البعوض.
بقي علينا أن نذكر أصل لفظة (بوقيصا) فنقول أنها مركبة من (بق) الآرمية. و (قيصا) وهي في الأصل (قيسا) بالسين باللغة المذكورة ومعناها الشجرة والظاهر أن الآراميين أتبعوا في وضع هذه الكلمة الطريقة الفارسية لا الآرمية فأنهم قابلوا كلمتهم حرفاً بحرف بالكلمة الفارسية عوض أن يقولوا قيصا بوق أو قيسا بوق وهذا من أغرب الغرائب. على أن بوقيصا ليست من فصيح كلامهم، بل في لغة عوامهم. ما في كلامهم الفصيح فيقولون: