أبو تمام يرثي ولده فكان رثاؤه من هذه الجهة جرحاً من جروح القلب والبحتري يرثي المتوكل وقد عاش في رفه نعمته. إنه يرثي خليفة قد انحدر منذ موته تاج العروبة عن هاماتها فكان رثاؤه كذلك جرحاً. والمتنبي يرثي جدته وقد تركها لطلب الرزق لها ولخفق في الدنيا والتجول في كسب الجاه فأخفق وعاد لرؤيتها فماتت قبل أن تراه فقال:
طلبت لها حظاً ففاتت وفاتني ... وقد رضيت بي لو رضيت بها قسما
فأتى في قصيدته برثائها على خواطر من الحزن والفجائع ما كانت لرفيقيه أبي تمام والبحتري. فإذا قرأ الناس رثاء حبيب لولده لم يتأثروا كلهم إذ ليس لكل الناس أولاد. ولن تفعل قصيدة أبي عبادة فعلتها في كل امرئ لأن فيهم من ليس له نزعة العروبة ومحبة الملوك وأما من قرأ مرثية المتنبي أياً كان أثرت فيه أي تأثير لأن كل امرئ له أم وجدة.
من هذا النحو في المقارنة كان ينبغي لصديقتي أديبة فارس أن تتكلم وأن تفضل مرثية أبي الطيب على مرثيتي رفيقيه. ومع ذاك فأنها أحسنت غاية الصنع في دراستها لمراثي هؤلاء الشعراء ومن رأيها أن البحتري يتأخر عن رفيقيه في البراعة بهذا الباب وأما الفوز في حلبته فإنما يتنازعه الشاعران الآخران أبو تمام والمتنبي.
المحامي زكي المحاسني
ابن خلدون
أصدر الأستاذان الدكتور جميل صليبا والدكتور عياد كتاباً جمعا فيه منتخبات من مقدمة ابن خلدون رتباها وفقاً لبرنامج شعبة الفلسفة في المدارس التجهيزية. والكتاب يقع في ١١٢ صفحة. ولا يمكن أن يقال أنه جيد الطبع وعلى الأخص طبعة النصوص المنتخبة فهي لا تغري بالقراءة كثيراً. وقد صدَّر المؤلفان هذه المنتخبات بمقدمة مطولة أجملا فيها حياة ابن خلدون وفلسفته ونظرياته التاريخية والاجتماعية وقد استمدا أكثر ما أورداه في هذه المقدمة من نفس النصوص التي انتخباها حتى أنه يمكن لمن قرأ هذه المقدمة القيمة أن يستغني عن النصوص. وقد اشتركا في كتابة المقدمة اشتراكاً أفقدها وحدة الأسلوب والإنشاء وكنا نود لو انصرف كل منهما لكتابة قسم منها، وقد قابلا ما انتخباه من النصوص بنسخ عديدة فصححا وشرحا كثيراً من كلماتها وعباراتها وكان كل ما انتخباه من أهم ما يحتاج الطلاب لطالعته. وعلى الجملة فإن كتاب الصديقين كتاب جزيل الفائدة والنفع لا يفي بحاجة التلامذة