الصليبية والجهاد المقدس ثم يرجع إلى البحث في الحركة الأدبية في ممتلكات الصليبيين بسوريا. وقد حلل الدكتور حاتم ثلاث ملاحم مشهورة وهي ملحمة أنطاكية، وملحمة اوروشليم، وملحمةالضغاء
(والضغاء هم الأسرى المسيحيون الذين وقعوا في يد المسلمين) ولم يقتصر في درس هذه الملاحم الثلاث على طبعتها القديمة بل اعتمد على مخطوطاتها المحفوظة في المكتبة الوطنية بباريز وغيرها من خزائن الكتب فجاء كتابه مثالاً للتحقيق العلمي والتنقيب التاريخي. كانت هذه الملاحم الصليبية قبل ظهور كتاب الدكتور حاتم مزيجاً من الحقيقة والوهم فلا يعرف قارئها أبن ينتهي التاريخ وأين يبتدئ الخيال فبين لنا المؤلف قيمة كل ملحمة من الوجهة التاريخية وخصوصاً ملحمة أنطاكية لأنها أقرب إلى الحقيقة التاريخية من ملحمة أوروشليم وملحمة الضغاء ولعل أول نص تاريخي لملحمة أنطاكية هو من نظم (ريشارد لو به له رن) أي ريشارد الحاج وهو من الحجاج الذين رافقوا الحملات الصليبية الأولى إلا أن هذا النص الأول قد تغير وأضيف إليه أناشيد عديدة. ومن أحسن ما جاء في نشيد أنطاكية وصف حصار الصليبيين لها وموتهم جوعاً وأكلهم لحوم الحيوانات ولحوم البشر ثم انتصارهم على المسلمين ودخولهم أنطاكية ثم حصار المسلمين لهم ووصف الشجاعة والإخلاص والتضحية واحتقار الموت في سبيل الخلود، كل ذلك بروح شعرية تدل على أثر الشرق في نفوس أولئك الشعراء الذين جاؤوا مع الصليبيين إلى سوريا المقدسة. قال الدكتور حاتم: لقد جاء على أثر الحروب الصليبية كثير من العائلات الفرنسية إلى سوري. ولا نشك في أن الأناشيد التي نبحث عنها الآن ربما كانت من أحسن الشواهد الدالة على حياة تلك العائلات ومغامراتها. . . عاش هؤلاء الفرنجة بين المسامين وأخذوا بعاداتهم وتقاليدهم وتعلموا لغتهم وتأثروا بروح المدينة الشرقية التي أعجبوا بها.
وهذا ما يجعل للبحث في هذه الملاحم قيمة تاريخية خاصة لأنها تدل على الحركة الأدبية التي كانت منتشرة في سوريا. وقصارى القول إن كتاب الدكتور حاتم يبين لنا بوضوح أن الملاحم الثلاث تولدت في جو سوري من وحي فرنسي وأنها من أهم الوثائق التاريخية التي تبين لنا كيف اتصل الغرب بالشرق وكيف تأثر بحضارته وكيف انصرف الأوربيون بعد هذا الاتصال إلى نقل حضارة العرب إلى بلادهم ونسجوا على منوالها في علومهم