انتهى النهار ولم تنته كلمة الشيخ تحرك الشيطان وقال يخاطب الشيخ: أنا ذاهب ياسيدنا، ولكن ببركة غلاظتك لا بفضل قداستك! ونحن نخشى إذا استمر الحشو يون في دمشق على إصدار منشوراتهم السخيفة، وتصويرهم الدين فيها على غير حقيقته أن يخرج الناس من دينهم، وأن يقولوا لساداتنا المحترمين ما قاله ذلك الشيطان لزميلهم ببركة غلاظتكم. . .
العبقرية
كان كارلايل الكاتب الانكليزي الحكيم يقول: إن العبقرية هي استعداد غير محدود لاحتمال الآلام. ولا يريد بهذا أن ذلك الاستعداد هو كل مايلزم للعبقري فلو كان الأمر كذلك لكانت كل حيوانات البر والبحر وخصوصاً الحمير المشهورة بالصبر من طبقة ساداتنا العبقريين ولكنه يريد أن يقول أن الاستعداد لاحتمال الآلام والاتصاف بالصبر العظيم هو أهم ركن من أركان العبقرية فليس في الدنيا عمل لا يستطيع صاحب الصبر إنجازه - كما يقول رابلي - فالصبر أساس كل علم، ومحال أن يكون الإنسان عالماً عظيماً أو فلكياً شهيراً أو كاتباً مبدعاً أو شاعراً نابغة أو سياسياً محتكاً إلا إذا كان له استعدا غير محدود لاحتمال آلام الدرس.
الكاتب والجمهور
يكتب الكاتب لنفسه أو لصديق من أصفيائه فلا يبالي بتطرفه في الرأيأو خروجه على عقيدة موروثة أو مجاوزة من الحدود التي فرض المجتمع على الناس الوقوف عندها ولكنه لا يستطيع أن يسلك هذا السبيل فيما يكتبه للجمهور. إن الجمهور عدو في ثياب صديق، فهو يطرب لما يكتبه الكاتب، ويظهر له الحب والإعجاب وقد يتولع به وبعبده أيضاً ولكنه لا يتسامح معه البتة بل تراه على استعداد دائم للانقلاب عليه وإسقاطه عندما يشتم منه رائحة الخروج على عقائده أو عاداته فهو يحاسبه على أتفه الأمور ويحكم عليه أحكاماً قاسية لا تقل الهفوات، والأنكى من هذا أنه لا يقبل في أحكامه استئنافاً ولا تمييزاً.
إن أغبى الكتاب وأشدهم عمى وحماقة، هو الذي يخدعه رضى ذلك المولى الأحمق الذي يسمونه (الجمهور)