عرسه وما تحوي برادها من سعادة. ثم إن هذه الليالي الساهرة أكسبتني توسعاً في أفق خيالي، فأصبح في مقدور هذا الخيال أن يصفر الكبير ويكبر الصغير. أن يخلق لنفسه عالماً يستقل به، فيتربع على عرش رفيع، في حاشية من العرائس وغرائب المخلوقات. وهي عوالم لم يحلم يمثلها شاعر أو نبي. وحدث في إحدى هذه الليالي إن فكري وقف عند المعضلة الإنسانية الكبرى. لم تعجبني القضية في بادئ الأمر لأني كنت أتخوف من المسائل الكبيرة موقناً بأنها ثقيلة على طاقتي. لكن فكري الخبيث لم يكن ليتزحزح عن تلك المعضلة بل تشبث بمكانه فلا السوط كان يردعه ولا التمليق يسكته. لقد حرن كالحمار ومتى حرن الفكر قل: أعوذ بالله! فلما يئست أطعته، وأركبته رأسي، وأطلقت له الزمام كي يعمل في حل المعضلة الإنسانية على حسب هواه. وقد كنت أعتقد أن هذه السياسة أفضل ما يصح معه، لأنه فوق العنيد إذا عوند، وإذا ترك لنفسه قتله تذبذبه، بيد أنه في هذه المرة خالف القاعدة وبقي مكانه مأخوذاً بهم واحد: هو المعضلة التي أمامه. فكان تارة يداعبها، وتارة يرفسها ويلطمها، كالهرة إذا وضعت بين يديها كبب الخيوط. دام الأمر كذلك حتى انفرجت أمام الفكر كوة في جدار المعضلة فوثب وراح يركض في الحقول. فكان من نتائج هذه الواثبة إن خطرت لي نظرة فريدة في تلك المعضلة نفسها فخرجت من سريري على الفور صائحا: وجدتها! وجدتها! كما فعل الشيخ أرخميدس. وإذا كان هذا الشيخ قد أكتشفالثقل النوعيفي الحمام فأنا قد وصلت إلى أغرب وأروع ما يتصوره إنسان في الفراش.
رحت أدون الإلهام الذي جاءَني به فكري تلك الليلة في الحال، خوفاً من أن يشرق الصباح فيكون ما اكتشفته قد طار مع أبخرة الليل. وعند الفجر جعلت من مدوناتي مقالة أرسلتها إلى مجلة معروفة. لكن يظهر أن تلك الصحيفة البلهاء لم تفهم سر اكتشافي. فطرحته في وعاء من قصب يسمونه سله المهملات إذ أن الأيام لحقت بعضها بعضاً دون أن يظهر له أثر أو خبر في تلك المجلة الرقيعة.
لم يثبط هذا الحادث من عزيمتي، بل كان له في نفسي رد فعل غريب. لقد تدفقت علي فعالية هائلة. كنت لا أنام في الأربع والعشرين ساعة أكثر من ساعتين. غصت في الورق إلى أذني. رحت أكتب وأكتب حتى بريت قلمي. وأصبحت أصابعي سوداء. أرسلت إلى