السؤال من غير توقف ولا استعانة بشيء من الأشياء إلا أنها كانت تلتمس أذيري الذي يسأل أبوها أو يسمعه في بعض الأوقات دون بعض، وعند قوم دون قوم، فيتصور الدهماء أن الذي تقوله بإشارة من أبيها.
وكان الذي تقوله يبلغ من الكثرة إلى ما يزيد على عشرين كلمة إذا قيل تصريح الكلام الذي هو الطريق الأخصر. وإنما كان أبوها يقول إذا رأى ما يراه من أشياء كثيرة مختلفة الأنواع والأشكال، في مدة واحدة - كلمة واحدة، وأقصاه كلمتان، وهي التي يكررها في كل قول ومع كل مايسمع ويرى: سلها، وسلها تخبرك، أو قولي له، أو قولي يا صغيرة.
قال أبو البركات: ولقد عاندته يوماً وحاققته في ألا يتكلم البتة، وأريته عدة أشياء. فقال لفظة واحدة. فقلت له: الشرط أملك. فاغتاظ وأحتد طيشه عن أن يملك نفسه، فباح بخبيئته. فقال: ومثلك يظن أنن أشرت إلى هذا كله بهذه اللفظة. فاسمع الآن، ثم التفت إليها وأخذ يشير بأصبعه إلى شيء وهو يقول تل الكلمة، وهي تقول هذا كذا، وهذا كذا، على الاتصال من غير توقف، وهو يقول تلك الكلمة لا زيادة عليها، وهي لفظة واحدة، بلحن واحد، وهيئة واحدة حتى ضجرنا، واشتد تعجبنا، ورأينا أن هذه الإشارة لو كانت تتضمن هذه الأشياء لكانت أعجب من كل ما تقوله العمياء.
قال أبو البركات: ومن عجيب ما شاهدناه من أمرها أن أباها كان يغلط في شيء يعتقده على خلاف ما هو به فخبر هي عنه على معتقداتها كأن نفسها هي نفسه.
قال أبو البركات: ورأيناها تقول ما لا يعلمه أبوها من خبيئة في الخبيئة التي أطلع عليها أبوها، فكانت تطلع على ما قد علمه أبوها وعلى ما لم يعلمه أبوها وهذا أعجب وأعجب.
قال أبو البركات: وحكاياتها أكثر من أن تعد، وعند كل أحد من الناس من حديثها ما ليس عند الآخر لأنها كانت تقول من ذلك على الاتصال لشخص شخص جواباً بحسب السؤال. قال: وما زلت أقول: إن من يأتي بعدنا لا يصدق ما رأيناه منها.
فإن قلت لي: أريد أن تفيدني العلة في معرفة المغيبات هذه قلت لك: العلة التي تصلح في جواب لِمَ في نسبة المحمول إلى الموضوع تكون الحد الأوسط في القياس. وهذه، فالعلة الفاعلة الموجبة لذلك فيها، هي نفسها بقوتها وخاصتها. فما الذي أقوله في هذا؟ وهل لي أن أجعل ما لي علة علة؟؟؟. . .