للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

شراً بالنسبة لقوانين الطبيعة الكبرى بل بالنسبة لقوانيننا الشخصية.

يمكن للاهوتي أن يرى في تضاعيف هذه العقيدة فكرة عقلية علوية تتفوق على التفكير الإنساني العادي، ووجهاً للمشابهة بينها وبين نظريته المتفائلة ولكنه لا يعبر فيها على ما يكمن في نظرته اللاهوتية من سفسطة وأكاذيب لطخت الضمير الإنساني لأنها تظهر لنا بكل جلاء نسبة الخير والشر إلى المنافع الخاصة المحدودة ولا تحاول أبداً أن تجعل الشر النسبي خيراً مطلقاً والفارق الرئيسي بين الخير والشر ينعدم بدون ريب، في القياس المطلق، لا جرم أن ثمة كائناً لا يتناهى، وراء منافعنا الإنسانية ومثلنا المحدودة، وهذا الكائن يراه العقل المتأمل متحلياً بصفات السمو والرفعة، لأنه عظيم، ولكن هذه العظمة ليست خلقية إنسانية ونعتها بالخير ليس هو الحق الأسمى بل تخويف وهذيان. لا يعرف اللامتناهي ضرورة ولا يخضع لقياس. يقول سبينوزا لا حق لإنسان أن يلوم الآلة لأنه يحوز على جسم مريض أو نفس ضعيفة، وكما أن من السخف أن تشكو الدائرة أمرها إلى الله لأنه لم يزودها بخصائص الكرة أو بتأفف الطفل المصاب بالحصاة المثانية لأن الله لم يهبه جسداً صحيحاً، كذلك لا يمكن لإنسان ضعيف في عقله أن يلوم الله لحرمانه من الخلق القوي والمعرفة الصحيحة ومحبة الله، أو لأن طبيعته ضعيفة لا يستطيع لإزاءها أن يقمع شهواته أو يخفف من حدتها. إذ كل شيء حادث في الطبيعة يصدر عن سبب خفي ملائم له، وليس من الموافق أن يحوز كل إنسان على نفس عظيمة، وعقل نادر أو جسم صحيح. ولا يستطيع امرؤ أن ينكر هذا إلا إذا تغاضى عن التجربة وابتعد عن نطاق العقل.

وأنت قد تقول أن البشر الذين يخطئون طبقاً لطبيعتهم معذورون ولكنك ملزم على إيضاح هذا القول. فهلا يغضب الله لفعلتهم؟ وهل استحقوا هذا الامتياز بعلم الله ومحبته فإن كنت تعني الأولى فأنا متفق معك بأن الله لا يغضب وأن كل شيء يجري بأمره. ولكنني أنكر أن يكون الناس سعداء دائماً في هذه الحالة.

قد يعذر الرجل ولكنه قد يفقد مع ذلك سعادته ويعاني العذاب ألواناً. والرجل الذي يجن من عضة الكلب معذور، ومع ذلك فموته من الاختناق أمر طبيعي.

والإنسان الذي لا يقوى على كبح جماح عواطفه ولا تقييدها بقانون معذور لضعفه النفسي ولكنه يظل غير قادر على التوفيق بين روحه وروح الله ومعرفته ومحبته ويبقى خاسراً

<<  <  ج: ص:  >  >>