ثانياً: من الضروري أن تؤدي العلاقات المتتابعة بين الشرق والغرب إلى تعويد الشرقيين طرائق التفكير والعلم وتدريبهم على أساليب الصناعة والاختراع الفكري الحديث.
إن تجديد اللغة العربية يتعلق بالشرقيين وقدرتهم واجتهادهم وإبداعهم واتحاد جهودهم، ولكن ليس في وسعهم أن يبقوا بمعزل عن التربية الفكرية العالية التي وضعها الغرب لنفسه، أننا مستعدون لنقل هذه التربية لهم بروح التعاون المجرد عن كل غاية وبقلب نقي خالص، ولكن الغرب لم ينقسم أبداً كما هو منقسم اليوم في معرفة حقيقة حاله، ولا كان أكثر قلقاً مما هو اليوم في نقد مثله الأعلى وقواعد عمله وتصوره لحقيقة الإنسان، إن وضع مسألة التربية في الشرق على بساط البحث يحتوي على هذه الشكوك: الشرق يقتبس هذا القلق منا ويعيده إلينا، وكثيراً ما يولد في نفوسنا هذا القلق، إن ألمانيا مثلاً تتردد اليوم بين الثقافة العقلية القديمة على طريقة الفرنسيين وبين عدم تقيد الأساليب الحديثة التي توصي بها معاهد التربية والتعليم ورجال التربية الحديثة - يلخص هذا الخلاف بالتباين الموجود بين أفكار (كورتيوس) وأفكار (بيكر) ولكن آسيا لا تجهل هذه المباحث والتجارب ولا هذا الخلاف. والمربون الذين يريدون أن يطبقوا نتائج دراستهم لأحوال الطفل النفسية على تسيير حياة الصغار وتنشئة نفوس الأحداث تجدهم في الصين والهند كما في العالم العربي كثيري العدد. ولئن كانت ألمانيا مترددة بين الروح الفرنسية المدرسية وبين طرائق التربية الروسية فالعلم العربي منقسم بين تقاليد العقل في البلاد المحيطة بالبحر المتوسط وبين الأفكار التي حملت الجمهورية الصينية على إبداع المدارس التجريبية الحديثة. فلم ينقض العام الماضي حتى شاهدنا بلدين عربيين، هما العراق وسوريا، اللذان تربطهما نزعات وميول واحدة في رفع مستوى الثقافة، أقول رأينا هذين البلدين يعملان على إصلاح التعليم الرسمي ويقايسان لهذه المناسبة بين الطرائق الفرنسية والطرائق الأميركية.