للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المقابلة أو الموازنة بين اللغات العامية المختلفة في العالم العربي ما يمكن معه أن نعرف الصفات العامة الجامعة لهذه اللغات العامية وخصائص كل منها، وأن نعرف أيضاً ما هي الكلمات الأخرى التي يفهمها أناس دون آخرين؟ أليس في ذلك ما يساعد أيضاً على العمل في سبيل جعل اللغة العربية الفصحى لغة عامةً لجميع العرب وعلى متناول جميع من يتكلمون بتلك اللغات المحلية المختلفة؟

يظهر لنا وقد أوردنا ما أوردناه من الأسباب أن الشرقيين سيهتمون في الآتي بلغاتهم المحلية العامة أكثر من اهتمامهم بها اليوم، وسيأتي زمن يقوم فيه كل قطر من الأقطار العربية علماء منهم يأخذون على أنفسهم درس لهجات أقطارهم درساً أصولياً مما لا يبقى معه حاجة لدرس المستشرقين وتتبعهم بهذا الشأن لأن هؤلاء العلماء الوطنيين سيضيفون إلى أصول التحليل والنقد معرفتهم العميقة في لغاتهم التي لا يستطيع أن يساويهم فيها من ليس منهم، وإن في درس الأستاذ فغالي، وعلى الأخص فيما يتعلق في مؤلفه في قواعد اللغة العربية اللبنانية وردها إلى أصول الفصحى، ما يظهر النتائج الباهرة التي يمكن أن يصل إليها البحاثة الشرقي في أتباعه في درس لغته سنن الأصول العلمية الحديثة. ومع هذا فلعل في المعونة التي يؤدي واجبها المستشرقون بعض الفائدة للشرقيين أنفسهم، إذا أن في درس جميع اللغات نصيباً من العمل يجيد فيه الغريب أكثر من أبناء اللغة أنفسهم، وهذا النصيب هو تحليل اللغة من الوجهة الروحية النفسية. إن قواعد اللغة الصرفية والنحوية التي وضعها أحد أبناء هذه اللغة لمن يتكلمونها لا تعصم إلا من الأخطاء قليلة الشأن إذ لا حاجة لذكر أشياء نمت من العقل فعرفها أبناء هذه اللغة منذ مولدهم، أما الغريب عن اللغة فأن لديهم من الدواعي ما يحدوه لتفهم فكرة اللغة وروحها والعمل على أفهامها ووصفها للغرباء من وضع أحد الغرباء. إن أجمل مؤلفي تاريخي في قواعد اللغة الفرنسية هو من وضع العالم نيروب الدانيمركي. وإن جيسبرسن من علماء الدانيمرك أيضاً ما برح مستمراً في نشر مؤلف ضخم في قواعد اللغة الانكليزية الحديثة وهو يعد اليوم من أحسن ما ألف من نوعه.

وبعد هذا فليس للمستشرقين إلا أن يثابروا على دراستهم اللغات العامية فيعدون ما يلزم لمن سيأخذون على أنفسهم دراستها وحري بهم أن يستمروا، بما عرفوا به من صبر وتواضع،

<<  <  ج: ص:  >  >>