٥ - إن الزهد كان مجهولاً تماماً عند العرب لأن الزهد كما يقول دور كهايم عامل فعال في كل الديانات ومن هنا نستنتج أنه لم يكن للعرب دين واحد ينضمون تحت لوائه ويقومون بشعائره ويتتبعون سننه وقوانينه كما نص عليه تعريف الدين الاجتماعي ولا يفهم من كل هذا أن الشرف كان دين العرب وإنما كان يحل مكان الدين من حيث دوره الاجتماعي ولا ريب أنه الشرف تضمن كل الصفات التي تتمتع بها الديانات الشائعة فكلنا يعلم أن الدين ينقسم إلى قسمين العقائد والشعائر أو الطقوس ولما كان من دلائل القوانين الأخلاقية صفتها الإجبارية وجب على العرب قبول الاعتقادات والقيام بالطقوس ذاتها ولم تكن عوامل الشرف إزاء انحلال العاطفة الدينية وكثرة الأديان الشائعة - إلا لتقوم مقام هذه الاعتقادات فأصبحنا مسوقين باعتبار أن الحرية والاستقلال اللذين كان يتمتع بهما العرب والمحافظة على عدد أفراد القبيلة وحرمة الديار وتحريم أسر المرأة والمحافظة على النسل وطهارة الأنساب وجودة الآباء وأعراقهم في الشرف هي بمنزلة الاعتقادات ومن جهة أخرى رأينا أن نفوذ السيد وحوله والثورة على الضعف والاضطهاد والأخذ بالثأر والشجاعة والوفاء وحماية الجار والجود والسخاء وواجب الضيافة وأخيراً الشعر والفصاحة بمنزلة الطقوس أو الشعائر. وصفوة القول أن عوامل الشرف كانت تؤلف في عهد الجاهلية مجموعة قوانين فرضتها الهيئة على جميع الأفراد وتولت الجمعية حمايتها وفرض العقوبات على من يجرأ على مخالفة هذه القوانين. ولهذا ترى أن الشرف كان العامل الأوحد في جمع العرب وتآخيهم حتى تمكنوا من تأليف هيئة اجتماعية لها أحكامها وقوانينها الأخلاقية.
إبراهيم الكيلاني
تقويم الهلال لسنة ١٩٣٤
لا مشاحة أن مجلة الهلال وما تصدره دار الهلال من مطبوعات ممتازة أصبحت جميعها بإتقان الطبع وجودة الصور وحسن التبويب والتنظيم لا تقل بشيء عن أعظم مؤسسات الطباعة والنشر في مختلف العواصم الأوروبية. ولقد أرادت دار الهلال أن تقدم دليلاً جديداً على ما ذكرنا في هذه السنة تقويمها لسنة ١٩٣٤ وجعلته، والحقيقة يجب أن تقال، خير نموذج لما بلغته مصر من نهضتها الحديثة في الطباعة التي كانت دار الهلال أول من حمل لواءها جليلاً في جميع بلاد الشرق العربي وقد صدرته بتواريخ المواسم والأعياد ونتيجة