يمكن تقسيم الأرض التي أقام بها الأقدمون إلى ثلاث مناطق:
أولاً الوادي ومجرى النهر. ثانياً منحدرات جبل قاسيون الوطيئة. ثالثاً الهضبة الواقعة بين الجنوب والغرب على الشاطئ الأيمن من النهر. ولعلنا إذا قايسنا سكان هذه المناطق المختلفة استطعنا أن نرجع بالفكر إلى الماضي، ونستنتج من هذه المقايسة انقسام الأولين على الأرض وتوزعهم إياها. فالقرى الواقعة في الجهة الشمالية من شرقي جبل قاسيون أكثر هذه المناطق سكاناً ثم يتلوها في عدد السكان قرى الهضبة الواقعة بين الغرب والجنوب لأن أكثرها يحتوي على أربعة آلاف أو ثمانية آلاف نسمة. أن قرى السهل القريبة من شواطئ النهر لا تحتوي على أكثر من ٥٠٠ أو ١. . . نسمة. فالأقدمون إذاً هجروا شواطئ النهر واستوطنوا الأراضي المرتفعة. ومما يؤيد ذلك أيضاً أن النهر قبل انقسامه إلى القنوات الأنهر الصغيرة الحاضرة كان غزير المياه فكان يفيض في أيام الشتاء ويجرف التراب ويغطي الأرض أشهراً عدة، فلا يتمكن الناس من إقامة المساكن بالقرب منه فلما أنشأوا هذه القنوات لري الأراضي العالية صارت هذه المرتفعات صالحة للزراعة وأمكن تجفيف بعض المستنقعات التي كان يحدثها طوفان النهر. ويغلب على الظن أن العمران الأول حصل في مدخل الوادي على أنه من الصعب أن تصور للداخل إلى دمشق حالة النهر الأولى وعمران شواطئه القديمة لأنه قد تبدل كثيراً. ويمكن أن يقال أن دمشق كانت في العصر الحجري ضيقة الحدود. أننا نتصور حالة الغوطة القديمة بمجموعها ولكننا لا نستطيع أبداً أن نجد فيها آثاراً تاريخية واضحة تدل على عمل الإنسان الأول واستثماره للأرض وكيفية استفادته من مياهها.