إن الذي طرح السؤال على هذه الصورة مصيب جداً. وأظن أنه يعني بالكاتب، المؤلف الحقيقي الذي يضع الكتب ويبذل في تأليفها كثيراً من الجهود الجبارة، فهل يخسر هذا الكاتب شيئاً من قيمته وهل ينحط قلمه إذا هو قبل العمل في الصحف اليومية؟
لا شك أن الكاتب إذا اضطر إلى السرعة خسر صفقته واستبدل الكيفية بالكمية ولكن الإسراع في الكتابة ليس ضرورياً بل في وسع الكاتب أن يدقق في مقاله ويدرسه ويطلب الزمان الضروري لذلك. وهذا يقتضي أن يكون الكاتب على شيء من السذاجة، قليل الاهتمام بالأمور المادية.
أضف إلى ذلك أن الصحف اليومية لا تنفرد وحدها باضطرار الكاتب إلى الإسراع، لأن الذي يسرع في كتابة مقاله قد يسرع أيضاً في وضع كتابه فيجيء كتابه خالياً من الصفات الأدبية، وكثيراً ما يخضع الكتاب إلى ضغط تجار الكتب الذين يرغمونهم على إخراج كتبهم في مدة معينة لا يجدون فيها متسعاً للعناية والتفكير والتأمل.
إذن، لا شيء يمنع الكاتب من التدقيق فيما يكتبه سواء أكان صحافياً أم مؤلفاً. ولكن التدقيق الطويل في المقال والتبديل يدخل على المقال شيئاً من الكلفة، والكتابة تحتاج إلى إتباع الطبع وعدم التكلف. وهذا الأمر لا يختلف من شخص إلى آخر.
من الصعب على الكاتب أن يكون مضطراً لتهيئة مقاله في مدة معينة فيجلس للكتابة وليس في فكره شيء من المعاني. ولكن كثيراً من الآثار الخالدة تولدت من هذه الصفحات اليومية. كان (الوتر) يقول منذ عشرين سنة أن الكتاب ينقسمون إلى قسمين. فالأول يكتب لأن عنده أفكاراً يريد نشرها، والآخر يبحث عن الأفكار فلا يجدها.
الخلاصة أنه في وسع الكاتب أن يصبح صحافياً من غير أن ينحط أسلوبه، وذلك على شريطة أن يحافظ على ما تقتضيه منه شروط الإنشاء والتفكير. إن الأخبار المحلية توحي للكاتب بكثير من المعاني الفلسفية والتأملات العالية. انظر إلى حادثة (ستافسكي) مثلاً فهي وحدها كافية للوحي بتأملات فلسفية قد لا يجدها الكاتب في سواها. إن كتابة المقال لا تختلف عن تأليف الكتاب، لأنها تحتاج إلى الفكر التركيبي الذي يجمع العناصر ويؤلف بينها ليبدع منها وحدة متسعة.