للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومقتضاها واستقراء آثارها يقتضي أن يكون في أعلى الإنسان وهو رأسه.

واحتج (١) الآخرون بوجوه.

أحدها: أن العقل أنفس ما في الإنسان والقلب أوثق محل فيه ولذلك، جعل في الصدر لما دونه من الوقايات فاقتضت الحكمة جعل الأنفس في المكان الأوثق، كما توضع الجواهر النفيسة في الأماكن الحريزة.

وعورض هذا بأن الرأس أوثق وأحرز لما دونه من عظم القِحفِ (٢) ونحوه من الجواهر الصلبة.

الثاني: أن القلب أول ما يتكون من الإنسان فكان أولى بمحل العقل، لأن أوليته دليل فضله وشرفه (والعناية) (٣) الربانية به، ففي جعل العقل فيه جمع بين شريفين نفيسين في محل واحد، فيكون ذلك أعون على صلاح البدن كاجتماع السلطان والوزير في المدينة.

وأجيب عنه: بأنا لا نسلم أن القلب أول متكون من الإنسان بل للحكماء في ذلك ثلاثة أقوال:

أحدها: ما ذكرتم.


(١) هذه أدلة عقلية استدل بها القائلون بأن العقل في القلب.
(٢) القِحفِ: بالسكر، العظم فوق الدماغ، ويجمع على أقحاف وقحوف.
انظر: الصحاح للجوهري (٤/ ١٤١)، والقاموس المحيط (٣/ ١٨٨).
(٣) في الأصل: "العاينة".