للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الذي هو قبالة القلب لا يثبت عليه الدواء فعولج في الرأس لثبوت الدواء عليه، ثم يسرى الدواء إلى القلب بواسطة الأعضاء (١).

وهذا ضعيف إذا يمكن ثبوت الدواء على الصدر برباط أو لصاق ونحو، ولو صح أن العقل في القلب لما أعجز الحكماء مداواته في محله.

الثاني: قد تبين مما سبق أن العقل قوة مدركة، ومحل القوى المدركة كلها الرأس، الظاهرة منها كالسمع والبصر والشم والذوق -وأما اللمس فجميع البدن مشترك فيه- والباطنة كالمخيلة (٢) والذاكرة والمفكرة (٣) والوهم (٤) فنظام الحكمة في الوجود أن تكون تلك القوة بين تلك القوى.

الثالث: أن الرأس أشرف ما في الإنسان وأعلاه، والعقل نور إما بحقيقته أو بأثره، وشأن الأنوار أن تكون في الأماكن العالية لتشرف على ما يستنير بها كالشمس والقمر والنجوم بالنسبة إلى الأرض، وعيني الإنسان بالنسبة إلى سائر بدنه، وكذلك السرج والقناديل جعلت مستعلية، فكذلك العقل في قياس الحكمة


(١) في الأصل: "الأعظا".
(٢) المخيلة والمتخيلة: هي القوة التي تتصرف في الصور المحسوسة والمعاني الجزئية المنتزعة منها. وتشارك البهائم الإنسان في هذه القوة. . . راجع التعريفات للجرجاني ص (٢٠٠) وروضة الناظر ص (١٠).
(٣) المفكرة: قوة محلها الدماغ تقدر على تفصيل الصورة التي في الخيال وتقطيعها وتركيبها. عن روضة الناظر ص (١٠) بتصرف.
(٤) الوهم: قوة جسمانية محلها الدماغ من شأنها إدراك المعاني الجزئية المتعلقة بالمحسوسات. عن التعريفات للجرجاني ص (٢٥٥) بتصرف.