للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الشيء بغيره من لازم أو علة أو سبب أو مجاور أو مقارن أو نحو ذلك.

وأما الثاني قوله: (لا يفقهون) و (لا يعقلون بها) أي لا يتلقون بقلوبهم عن العقل ما يفهمه ويعقله من خطابنا لهم إلى السعادة لأن العقل هو آلة الفقه والفهم لا القلب، وذلك لأنا قد بينا أن اهتداء القلب بما يشرق ويفيض عليه من نور العقل، وقلوب الكفار مختوم عليها كما أخبر الله - عَزَّ وَجَلَّ - عنهم (١)، والقلب جوهر مجوف كالعين والأذن فإذا ختم عليه حال الختم والطبع بين داخله ونور العقل فلا يبصر، كما تحول الغشاوة أو العمي ونحوه من أعراض العين بين القوة الباصرة ونور الشمس ونحوها فلا تبصر، فإذا فهم العقل معنى الخطاب ألقاه بنوره إلى القلب فإذا صادفه منشرحًا أضاء بنوره واهتدى، وإن صادفه مختومًا عليه بقي النور يموج من خارج والقلب مظلم من داخل فضل وغوى، وكذا الكلام في قوله تعالى: {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} (٢) وقوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ} (٣) أي منشرح غير مطبوع عليه يتلقى عن عقله ما يلقيه إليه من نور الهداية بخلاف من له قلب مختوم عليه، فإن ذلك كمن لا قلب له لعدم انتفاعه بقلبه، على مذهب العرب وغيرهم في الإخبار بنفي الشيء لانتفاء فائدته، كقولهم لا علم إلا ما نفع ولا سلطان


(١) من ذلك قوله تعالى: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (٧)} [سورة البقرة: ٧].
(٢) سورة الحج: (٤٦).
(٣) سورة ق: (٣٧).