للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هذا مثال لتصحيح مذهبه من غير تعرض لمذهب غيره (١)، ومعنى قول الحنفي: إن الوقوف بعرفة لا يكون لمجرده قربة بل لا بد له من اقتران الإحرام والنية به، كذلك الاعتكاف، لا يكون قربة حتى يقترن به غيره من العبادات، وليس ذلك غير الصوم بالإجماع. إذ لم يشترط أحد مقارنة غير الصوم للاعتكاف، ومعنى قول المعترض: إن الوقوف بعرفة لا يشترط لصحته الصوم، فكذا لا يشترط للاعتكاف عملًا بالوصف الجامع وهو كون كل منهما لبثًا محضًا، فالمستدل أشار بعلته إلى اشتراط الصوم بطريق الالتزام، والمعترض أشار إلى نفي اشتراطه (٢).

قول: وتارةً يبطل مذهب خصمه كقول الحنفي: الرأس ممسوح؛ فلا يجب استيعابه بالمسح، كالخف، فيقول المعترض: ممسوح؛ فلا يُقدَّر بالربع، كالخف. وكقوله في بيع الغائب: عقد معاوضة فينعقد مع جهل العوض، كالنكاح، فيقول خصمُه: فلا يُعتبر فيه خيار الرؤية كالنكاح، فيُبطل مذهب المستدل لعدم أولويّة أحد الحكمين بتعليقه على العلة المذكورة (٣).

هذا مثال لإبطال مذهب خصمه من غير تعرض لتصحيح مذهب نفسه.

فإن أحمد ومالكًا: يوجبان استيعاب الرأس بالمسح وقد أبطله الحنفي في قياسه، فيقلب المعترض بقوله: فلا يقدّر بالربع


(١) ينقسم القلب باعتبار كونه قادحًا إلى ثلاثة أقسام، وهذا القسم الأول منه.
(٢) روضة الناظر لابن قدامة (٣/ ٩٤٣)، رفع الحاجب للسبكي (٤/ ٤٦٩)، شرح مختصر الروضة للطوفي (٣/ ٥٢٠).
(٣) مختصر أصول الفقه لابن اللحام ص (١٥٦).