للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والمعنى؛ أن يقال للنافي: ما ادّعَيت نفيهُ علمته، أم أنت شاك فيه؟ فإن أقرّ بالشكّ: فهو مدعي بالجهل، وإن ادّعى العلم فإما أن يكون بنظر أو بتقليد، فإن كان بتقليد فهو -أيضًا- معترفٌ بِعمَى نفسهِ، وإنّما يدّعي البصيرة لغيره، وإن كان عن نظرٍ: فيحتاج إلى بيانه.

ولأنه لو سقط الدليل عن النافي؛ لم يعجز المثبت عن التّعبير عن مقصود إثباتهِ بالنفي فيقول: بَدلَ قولهِ: "مُحدَثٌ" "ليْس بقديم" وبَدل قوله: "قادر" "ليس بعاجز".

وقولُهم: إن المدّعَى عليه لا دليل عليه: عنه أجوبةٌ.

أحدها: المنع، فإن اليمين دليل، لكنها قصُرت عن الشهادة، فَشُرِعَت عند عدمِها.

الثاني: أن المدّعَى عليه، إنما لم يحتجْ إلى دليل؛ لوجودِ اليد التي هي دليل بالملك.

الثالث: أنه إنما لم يجب عليه، للعجز عنه، إذ لا سبيلَ إلى إقامةِ دليلٍ على النفي، فإن ذلك إنما يعرف بأن يلازمه الشاهد من أول وجودِه إلى وقت الدعوى، فيعلم انتفاء سبب اللزوم قولًا وفعلًا، بمراقبة [اللحظات] (١) وهو محال (٢)، ومن قال بلزومه في الشرعيات استدلّ بما تقدم، وأما العقليات:


(١) في المخطوط "التخاطب"، والصحيح ما أثبته ليستقيم المعنى، وهي الموجودة في تحقيقات روضة الناظر. انظر: روضة الناظر لابن قدامة تحقيق د. السعيد ص (١٥٩)، وتحقيق د. النملة (٢/ ٥١٥).
(٢) انظر: روضة الناظر لابن قدامة (٢/ ٥١٥).