للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم الخلاف فيه وفي العباد واحد، والسفه من المخلوق ممكن فلا يستحيل ذلك أيضًا. ووجه استحالته قوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (١) {لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (٢) (ولأن) (٣) الأمر استدعاء وطلب، والطلب يستدعي مطلوبًا وينبغي أن يكون مفهومًا بالاتفاق، ولو قال "أبجد هوز" لم يكن ذلك تكليفًا لعدم عقل معناه، ولو علمه الآمر دون المأمور لم يكن تكليفًا، إذ التكليف الخطاب بما فيه كلفة، وما لا يفهمه المخاطب ليس بخطاب، وإنما اشترط فهمه لتتصور فيه الطاعة إذ كان الأمر استدعاء الطاعة، فإن لم يكن استدعاء لم يكن أمرًا، والمحال لا تتصور الطاعة فيه فلا يتصور استدعاؤه (٤)، كما يستحيل من العاقل طلب الخياطة من الشجر، ولأن الأشياء لها وجود في الأذهان قبل وجودها في الأعيان وإنما يتوجه إليه الأمر بعد حصوله في العقل، والمستحيل لا وجود له في العقل فيمتنع طلبه، ولأننا اشترطنا أن يكون معدومًا في الأعيان ليتصور الطاعة فيه فكذلك يشترط أن يكون موجودًا في الأذهان ليتصور إيجاده على وفقه.

وقوله تعالى: {وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} (٥) فقد قيل المراد به ما يثقل ويشق بحيث يكاد يفضي إلى إهلاكه كقوله {اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ} (٦) وكذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في المماليك.


(١) سورة البقرة: (٢٨٦).
(٢) سورة الأنعام: (١٥٢).
(٣) في الأصل "وان" والتصحيح من الروضة.
(٤) في الروضة (استدعاؤها).
(٥) سورة البقرة: (٢٨٦).
(٦) سورة النساء: (٦٦).