للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العرب الفصحاء قد ملأت بيتا له إلى قريب من السقف، ثم إنه تقرّأ (أى تنسّك) فأحرقها كلها.» (٥٣) وبالإضافة إلى ما نقل عن مصنّفه «كتاب الأمثال» يبدو أن نقولا كثيرة من تأليف آخر له أو أكثر في اللغة قد حفظت لنا في مؤلفات للغويين متأخرين (انظر ص ٥١ بعد). وبوسعنا إذن أن نتصور أن ثمة كذلك لغويين آخرين من ذلك العصر المتقدم. لا نعرفهم، قد ساهموا بمصنفاتهم في تطور المعاجم. (٥٤) وقد كان للعلماء المعروفين «بفصحاء الأعراب» دور ذو أهمية خاصة في نشأة المعاجم العربية. والنظر إليهم على أنهم بدو كانوا يجهلون القراءة والكتابة، يناقض أخبار المصادر التى تذكر تآليفهم المفردة وكتبهم في النوادر (انظر ص ٢٤ وما بعدها).

ولأبى خيرة نهشل بن زيد، وهو أحد متقدمى فصحاء الأعراب، كتابان معروفان، هما: «كتاب الحشرات» و «كتاب الصّفات». والظاهر أن الكتاب الثانى الذى جاءنا منه عدد كبير من النقول، كان معجما لا يزال ضئيلا، إلّا أنه رتّب على الموضوعات (انظر ص ٢٨ بعد).

ومن جهة سعة المجالات المدروسة فإن تصنيف المعاجم العربية قد بلغ مرحلة جديدة بنشوء كتب النوادر. وقد استطاع مصنّفو هذه الكتب أن يدخلوا فيها مادة غزيرة دون أن يلزموا أنفسهم مراعاة نظام بعينه.

وقد سلكت طائفة من علماء اللغة المتقدمين كأبى عمرو بن العلاء (انظر تاريخ التراث العربى ٢/ ٨٦) وأغلب فصحاء الأعراب سبيل هذا النمط من المؤلفات العربية التى كانت في الوقت ذاته مجموعة من مادة الشعر.

إن عملية التصنيف، أى العرض المرتّب للمادة كلها التى كانت تعالج حتى ذلك الحين في تآليف مفردة أو على نمط كتب النوادر من غير تبويب، قد بدأت حوالى منتصف القرن الثانى للهجرة/ الثامن للميلاد مثلما بدأت في كثير غيرها من مجالات العلوم النظرية. ويمكن أن يكون ترتيب المادّة اللغوية بحسب الدلالة أسبق زمانا من ترتيبها بحسب الموضوعات.


(٥٣) البيان والتبيين للجاحظ ١/ ٣٢١.
(٥٤) انظر: حسين نصار، المعجم العربى، الجزء الأول، القاهرة ١٩٦٨، ص ٢٠٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>