الله العفو؛ فلقد نال ابن مندة من أبي نعيم وأسرف - أيضًا -، طوف الأقاليم، وكتب بيده عدة أحمال، وحدث بالكثير، وكان من دعاة السنة وحفاظ الأثر. وقال في "المغني": إمام ثقة، أقذع أبو نعيم في الحط عليه بالهوى. وقال ابن الجزري في "غاية النهاية": الحافظ الكبير الجوال، صاحب التصانيف، إمام كبير، جال الأقطار، وانتهى إليه علم الحديث بالأمصار، لا نعلم أحدًا رحل كرحلته، ولا كتب ككتابته، فإنه بقي في الرحلة أربعين سنة، وكتب بخطه فيها عدة أحمال، ثم عاد إلى وطنه شيخًا، وقد كتب عن ألف وسبعمائة شيخ، ومعه أربعون حملًا من الكتب، فتزوج بأصبهان، ورزق الأولاد.
روى يحيى بن مندة في "تاريخه" عن أبيه وعمه: أن أبا عبد الله بن مندة قال: ما افتصدت قط، ولا شربت دواء قط، وما قبلت من أحد شيئًا قط.
ولد بأصبهان سنة عشرٍ، أو إحدى وعشرة، وثلاثمائة، ومات ليلة الجمعة سلخ ذي القعدة من سنة خمس وتسعين وثلاثمائة، ودفن من الغد بعد صلاة الجمعة، وصلى عليه ابنه أبو القاسم، ودفن بمقبرة دُولْكَاباذ، خارج باب دِزي. وقد رثاه بعد موته غير واحد من شعراء وقته، ومن هؤلاء أبو جعفر الجرجاني، رثاه بقصيدة طويلة تحوي قريبًا من سبعين بيتًا، ومن أبياتها: