قال مقيده -عفا الله عنه-: وقد حكى ابن الصلاح ما ذكره ابن حزم، ثم قال: وزعم ابن حزم أن هذا قول جميع الأشعرية، وليس كما زعم، وإنما هو تشنيع عليهم أثارته الكُرَّامية فيما حكاه القشيري. وقال السبكي في "طبقاته" بعد ذكره للحكاية الآنفة الذكر: والذي لاح لناس من كلام المحرِّرين لما ينقلون، الواعين لما يحفظون، الذين يتقون الله فيما يحكون، أنه لما حضر بين يديه، وسأله عن ذلك كذب الناقل، وقال ما هو معتقد الأشاعرة على الإطلاق، وعند ذلك وضح للسلطان الأمر، وأمر بإعزازه، وإكرامه، ورجوعه إلى وطنه، فلما أيسَت الكرامية وعلمت أن ما وشت به لم يتم، وأن حيلتها ومكايدها قد وهت، عدلت إلى السعي في موته، والراحة من تعبه، فسلطوا عليه من سمَّه فمضى حميدًا شهيدًا، وأما أن السلطان أمر بقتله، فشفع إليه، إلى آخر الحكاية، فأكذوبة سَمِجَة، ظاهره الكذب من جهات متعددة ... وهذا من ابن حزم مجرد تحامل، وحكاية لأكذوبة سَمِجَة، كان مقداره أجل من أن يحكيها. قلت: وما سبق نقله عن أبي القاسم القشيري عن ابن فُورك يؤيد ما قرره السبكي، وقد أثنى السبكي على ابن فُورك في بداية ترجمته له، وأطنب كعادته إذا ترجم لأشعري؛ فقال: الإِمام الجليل، والحبر الذي لا يجارى فقهًا وأصولًا وكلامًا ووعظًا ونحوًا مع مهابة، وجلالة، وورع بالغ، رفض الدنيا وراء ظهره، وعامل الله في سرِّه وجهره، وصمم على دينه:
مصمم ليس تلويه عواذله ... في الدين ثبتٌ قويٌ بأسُه عسِرُ
وحوَّم على المنية في نصرة الحق، لا يخاف الأسد في عرينه:
ولا يلين لغير الحق يتبعه ... حتى يلين لضِرس الماضع الحجُر