للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كثيرا.

وكان سلفه (١)

من أهل الخطط (٢) بالقيروان ولهم مسجد يعرف بمسجد ابن سالم، وولي والده أبو بكر أحمد بن علي خراج إفريقية في عهد بني الأغلب وارتفع إلى الوزارة. (٣)

ولد سنة تسع وسبعين ومائتين واهتم أبوه بتعليمه في صغره مع ما كان فيه من رفاهة العيش وحج سنة أربعة عشر وثلاثمائة بعد أن هرب من أبيه وتزهد.

قيل له: لم اخترت سكنى جبنيانة على غيرها؟ قال: أردت أن يخمل ذكري فيها، لأني رأيتها من أقل القرى ذكرا. (٤)

أخذ العلم عن جماعة منهم عيسى بن مسكين وأبي بكر بن اللباد وأبي علي حمود ابن سهلون. وله أخبار عجيبة في الورع، وكان يسرد الصوم، شديد الإقبال على الصلاة.

وكان من أعلم الناس باختلاف العلماء، عالما بعبارة الرؤيا ويعرف حظا من اللغة العربية حسن القراءة للقرآن يحسن تفسيره وإعرابه وناسخه ومنسوخه، لم يترك حظه من دراسة العلم بالليل إلا عند ضعفه قبل موته بقليل، وكان لايفتي إلا أن يسمع أحدا يتكلم بما لايجوز فيرد عليه، أويرى من يخطىء في صلاته فيرد عليه. (٥)

وكان أبو الحسن القابسي يقول: الجبنياني إمام يقتدى به. وكان أبو محمد بن أبي يزيد يعظم شأنه ويقول: طريق أبي إسحق خالية لايسلكها أحد في الوقت. وكان أبو إسحق قلما يتغير على أحد فيفلح، وإذا رؤي ذكر الله تعالى من هيبته، قد جف جلده على عظمه، واسود لونه، كثير الصمت، قليل الكلام، فإذا تكلم نطق بالحكمة، وكان قلما يترك ثلاث كلمات جامعة للخير، وهي: اتبع ولاتبتدع، اتضع ولاترتفع، من ورع لم يقع. (٦)


(١) سلف الرجل: آباؤه المتقدمون (لسان العرب ٣/ ٢٠٦٨).
(٢) جمع خطة وهي الحال والأمر والخطب (لسان العرب ٢/ ١١٩٩) والمراد أصحاب الولايات والوزارات ومن ذلك قولهم: فلان يبني خطط المكارم (انظر أساس البلاغة ص: ١١٥).
(٣) المدارك ٦/ ٢٢٣.
(٤) المدارك ٦/ ٢٣١.
(٥) الديباج ١/ ٢٦٤.
(٦) طبقات الداوودي ١/ ٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>