للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونقل عن ابن عطية قوله: وحدثني أبي رضي الله عنه عن بعض علماء المشرق قال: كنت بائتًا في مسجد الأقدام بمصر فصليت العتمة فرأيت رجلا قد اضطجع في كساء له حتى أصبح، وصلينا نحن تلك الليلة وسهرنا، فلما أقيمت صلاة الصبح قام ذلك الرجل، فاستقبل القبلة فصلى مع الناس فاستعظمت جرأته في الصلاة بغير وضوء، فلما فرغت الصلاة خرج فتبعته لأعظه فلما دنوت منه سمعته وهو ينشد:

منسحق الجسم غائب حاضر ... منتبه القلب صامت ذاكر

منقبض في الغيوب منبسط ... كذاك من كان عارفًا ذاكرا

يبيت في ليله أخا فكر ... فهو مدى الليل نائم ساهر

قال: فعلمت أنه ممن يعبد بالفكرة، فانصرفت عنه. (١)

وهذا أيضا الذي ذكره لا محل له من أهل الصدر الأول وهم أخشى الناس وأتقاهم، وقد حرم المسكين من قيام الليل ومناجاة الخالق سبحانه وتعالى والاقتراب منه في السجود، والتفكر في آيات الله وهو بين يدي الله، ليس وهو نائم أو سارح! غفر الله لنا تقصيرنا.

[ثالثا: موقفه من تفسير القرآن بالقرآن]

من الأمثلة على انتهاجه منهج تفسير القرآن بالقرآن في بعض المواضع ماذكره في قوله تعالى {ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها} (٢) قال: (٣)

أي نؤت من شئنا منها ماقدر له يبين ذلك قوله تعالى {من كان يريد العاجلة ...} (٤)

ومن تفسير القرآن بالقرآن قوله {المغضوب عليهم} (٥) اليهود و {الضالون} النصارى ... وذلك بين من كتاب الله لأن ذكر غضب الله على اليهود متكرر فيه كقوله {وباءوا بغضب من الله} (٦) {قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله} (٧) ... والنصارى كان محققوهم على شرعة قبل ورود شرع محمد - صلى الله عليه وسلم - فلما ورد ضلوا، وأما غير متحققيهم فضلالتهم متقررة منذ تفرقت أقوالهم في عيسى


(١) انظر المحرر الوجيز١/ ٥٥٥ وقد عدلت بعض الألفاظ منه.
(٢) آل عمران: ١٤٥.
(٣) الجواهر١/ ٣١٧.
(٤) الإسراء: ١٨.
(٥) الفاتحة: ٧.
(٦) آل عمران: ١١٢.
(٧) المائدة: ٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>