للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله {إياك نعبد وإياك نستعين} (١):

قال: وكرر الضمير ولم يقل إياك نعبد ونستعين ٠لأن إظهاره أبلغ في إظهار الاعتماد على الله، وأمدح ألا ترى أن قولك بك أنتصر وبك أحتمي وبك أنال مأربي، أبلغ وأمدح من قولك بك أنتصر وأحتمى الخ. وقدم العبادة على الاستعانه لتوافق رءوس الآي، وليعلم منه أن تقديم الوسيلة على طلب الحاجة أدعى إلى الإجابة، فإن من تلبى لخدمة الملك وشرع فيها بحسب وسعه، ثم طلب منه الإعانة عليها أجيب إلى مطلبه، بخلاف من كلفه الملك بخدمته فقال: أعطنى ما يعينني عليها، فهو سوء أدب، وأيضا من استحضر الأوصاف العظام ما أمكنه إلا المسارعة إلى الخضوع والعبادة وأيضا لما نسب المتكلم العبادة إلى نفسه، أوهم ذلك تبجحا واعتدادا منه بما يصدر عنه فعقبه بقوله: وإياك نستعين دفعا لذلك التوهم. (٢)

ومن كلامه عن الالتفات قوله:

ومن عادة العرب التفنن في الكلام والعدول عن أسلوب إلى آخر تطرية وتنشيطا للسامع، فتعدل من الخطاب إلى الغيبة إلى التكلم قوله تعالى: {حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح} (٣) ولم يقل بكم وقوله: {أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه إلى بلد} (٤) أي ولم يقل فساقه ... ، والالتفات هنا في قوله إياك نعبد ولم يقل إياه نعبد لأن الظاهر من قبل الغيبة، وحسنه أن الموصوف تعين وصار حاضرا.

وقال أيضا: فإن قلت: الريب في القرآن قد وقع من الكفار قطعا فكيف عبر بإن الدالة على الشك والتردد؟

قلت: لما كان ريبهم واقعا في غي محله، إذ لو تأملوا أدنى تأمل لزال ريبهم لوضوح الأمر وسطوع البرهان كان ريبهم كأنه مشكوك فيه ومتردد في وقوعه. (٥)

تاسعا: موقفه من القراءات (٦):

وهو يتعرض للقراءات وتوجيهها وربما ذكر القراءات الشاذة ومن ذلك:


(١) الفاتحة: ٤.
(٢) ص: ١٠.
(٣) يونس: ٢٢.
(٤) فاطر: ٩.
(٥) ص: ١٢.
(٦) وانظر في القراءات أيضا ص: ١٠٤، ١٣٥، ١٣٧، ١٤٠، ١٤٨، ١٧٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>