للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأول ما أقام بها حين غزاها أبو المهاجر مولى الأنصار أقام بها الشتاء والصيف واتخذها منزلا وكان مسلمة بن مخلد الذي عقد له على الجيش الذين خرجوا معه إليها، فلم يزالوا بها حتى قتل ابن الزبير، فخرجوا منها (١).

وكانت لأبي المهاجر مع البربر سياسة حسنة، فقد تألف قادتهم وعلى رأسهم كسيلة البربري فانقادوا للإسلام وازدادت رقعة البلاد المفتوحة حتى بلغت تلمسان من بلاد الجزائر، وطالت مدة إقامة أبي المهاجر ومن معه من الصحابة والتابعين.

ثم قدم عقبة على معاوية بن أبي سفيان فقال له فتحت البلاد وبنيت المنازل ومسجد الجماعة ودانت لي ثم أرسلت عبد الأنصار فأساء عزلي فاعتذر إليه معاوية، وقال: قد عرفت مكان مسلمة بن مخلد من الإمام المظلوم وتقديمه إياه وقيامه بدمه وبذل مهجته، وقد رددتك على عملك، ويقال: إن معاوية ليس هو الذي رد عقبة بن نافع ولكنه قدم على يزيد بن معاوية بعد موت أبيه، فرده واليا على إفريقية وذلك أصح لأن معاوية توفي سنة ستين (٢).

فعاد عقبة ثانية إلى القيروان سنة ٦٢ هـ بأمر من يزيد بن معاوية، فأعاد عمارة المدينة ودعا لها ومن معه من الصحابة، وقد بلغوا خمسة وعشرين صحابيا، وكان مما قال في دعائه وهم يؤمنون: اللهم املأها علما وفقها وأعمرها بالمطيعين والعابدين، واجعلها عزا لدينك وذلا لمن كفر بك، وأعز بها الإسلام وامنعها من جبابرة الأرض (٣).

وخرج عقبة للغزو بعد ماأوثق أبا المهاجر في وثاق شديد وأساء عزله، فغزا به معه إلى السوس وهو في حديد وأصل السوس بطن من البربر يقال لهم: أنبيه، فجول في بلادهم لايعرض له أحد، ولايقاتله فانصرف إلى إفريقية، ففتح جميع بلاد المغربين الأوسط والأقصى، أي مايعرف الآن بالجزائر والمغرب، حتى وصل إلى البحر المحيط، فأدخل فيه قوائم فرسه، وقال كلمته المشهورة: اللهم اشهد أني قد بلغت المجهود ولولا هذا البحر لمضيت في


(١) فتوح مصر وأخبارها ص: ١٣٣ - ١٣٤.
(٢) فتوح مصر وأخبارها ص: ١٣٤.
(٣) طبقات أبي العرب ٨، وانظر البيان المغرب ١/ ٣٣، حسن البيان ١٨٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>